تيم كولبان
كاتب من خدمة بلومبيرغ.
TT

«سامسونغ» ولحظتها الداروينية

غالباً ما يُساء فهم نظرية تشارلز داروين للتطور التي تفترض أن البقاء غالباً للأقوى.
فمع كل ما تسبب فيه فيروس «كورونا» من دمار للاقتصاد العالمي وتقليص القوة الشرائية للمستهلكين، حققت شركة «سامسونغ إلكترونكس» أداءً جيداً في الربع الأخير من العام، لتذكِّرنا بما ذكره عالم الأحياء في القرن التاسع عشر، من أن «أكثر الأشخاص قابلية للتكيف مع التغيير، هم من يحظون بفرصة أفضل».
فقد خاضت «سامسونغ» الأزمة مستعينة بقوتها في المكونات الإلكترونية، ولا سيما رقائق الذاكرة؛ لكن الهواتف الذكية هي أكبر مساهم في إيرادات الشركة الكورية الجنوبية. وكثير من المكونات التي تصنعها الشركة ينتهي بها المطاف في الأجهزة التي تحمل اسمها الخاص.
مع تدهور الاقتصاد الاستهلاكي وتراجع مبيعات الأجهزة، هدد قسم الهواتف الذكية بتقويض القوة التي تمتعت بها «سامسونغ» في تصدير شرائح الذاكرة المستخدمة في الخوادم، وهي المستفيد الكبير من تدفق المحتوى وخدمات العمل المنزلي خلال فترة الوباء.
وكانت الشركة أفادت في بيان أرباحها الذي أعلن مؤخراً بأن الإيرادات في وحدة الهواتف الذكية تراجعت بنسبة 18% خلال تلك الفترة، وهي أكبر المساهمين الفرديين في انخفاض إجمالي المبيعات بنسبة 6%. وقد قلص ذلك من مساهمة القسم إلى 37% فقط من الإجمالي، على الرغم من أنه لا يزال يمثل العنصر الأكبر في إيرادات الشركة الفصلية البالغة 43 مليار دولار.
لم تكن «سامسونغ» الوحيدة؛ حيث تراجعت صادرات الهواتف الذكية العالمية بنسبة 12% في الربع الأول، وليس هناك توقعات حتى الآن بأننا سنرى نمواً مستداماً ولو لبعض الوقت.
على العكس من ذلك، سجلت مبيعات أجهزة «سامسونغ» ارتفاعاً بنسبة 25% في أرباح التشغيل مقارنة بالعام السابق، وإن كانت أقل بواقع 26% مقارنة بالربع السابق. ولكيلا تتحمل عبء النفقات العامة الضخمة لإدارة أعمال الهاتف التي تبلغ قيمتها 90 مليار دولار سنوياً، تصرفت الإدارة بسرعة لخفض التكاليف في وحدة الهاتف الذكي. وبينما تعرض الترويج التسويقي لانتكاسة، تحولت المبيعات عبر الإنترنت للزيادة.
وقد وفر التباين المثير في البيانات الذي بدأ في وقت مبكر من أزمة «كورونا» أدلة حول كيفية سير «سامسونغ» والمنافسين، مثل «أبل إنك»، و«هاواوي تكنولوجيز» بقية عام 2020.
ورغم انخفاض إيرادات الهواتف الذكية من «سامسونغ» بأقل من 10% في الربع الأول، فقد تراجعت صادراتها بواقع 19%، وفقاً لمؤسسة «بلومبرغ أنتليجنس». ويرجع التناقض بين الرقمين إلى الضغط للوصول إلى متوسط سعر بيع أعلى، من خلال طرح موديلات ذات مواصفات عالية.
وحتى نهاية العام الجاري، فإن الاختلافات الإقليمية في كيفية ظهور الوباء، تكمن في القدرة على التكيف أكثر من حجم الصادرات. في الصين، على سبيل المثال، تحسن الوضع بشكل طفيف في الربع الثاني، مع انخفاض حجم الصادرات عن الفترة السابقة؛ حيث تراجعت حدة تفشي الوباء.
على النقيض من ذلك، تمكنت الهند من الضغط على النمو في الأشهر الثلاثة الأولى، ثم تراجعت بواقع 51% في الربع الثاني؛ إذ دخلت البلاد في حظر طويل الأمد، وفقاً لبيانات مؤسسة «كاونتر بوينت سيرش». وفي الولايات المتحدة، تسبب تراجع بنسبة 21% عن العام السابق إلى انخفاض بنسبة 25%، وهو ما يتماشى مع الاتساق الاقتصادي العام للضيق منذ بداية الأزمة.
وباعتبارها العلامة التجارية الوحيدة للهواتف الذكية التي تتمتع بحضور قوي في كل المناطق الكبرى، فإن قدرة «سامسونغ» على الاستمرار في النمو ستعتمد على قدرتها على تغيير تركيز التسويق والتوزيع بسرعة.
ولا تنطبق حاجة «سامسونغ» لتغيير الاستراتيجية على الجغرافيا فحسب؛ بل أيضاً على قنوات المبيعات ونماذج الإيرادات.
تتطلع «سامسونغ» أيضاً إلى ضبط التسويق وتصدير الهواتف. ففي الولايات المتحدة - حيث لا يزال مشغلو الاتصالات يُعدُّون أكبر نقطة شراء للهواتف الذكية، وحالات الإغلاق، والتباعد الاجتماعي - لا تزال المتاجر إما مغلقة وإما فارغة إلى حد كبير. ونتيجة لذلك، تضاعفت حصة الأجهزة المبيعة عبر الإنترنت إلى 31% خلال الربع الثاني، مما ساعد «سامسونغ» على الحد من تراجعها في الشحنات الأميركية لتصبح 10% فقط، وهو نصف حجم السوق الأكبر.
قد تتغير هذه الصورة بشكل كبير، إذ يذكِّرنا تفشٍّ جديد في هونغ كونغ بأن الوضع في أي مكان قابل للتدهور بسرعة. وتُظهر قدرة الصين على إبقاء الأمور تحت السيطرة بعد موجة تفشي المرض الأولي، أن هناك دائماً إمكانية للتحسن.
ليس بإمكان شركة «سامسونغ» التحكم في ديناميكيات الوباء؛ لكن آفاقها ستعتمد على مدى تكيفها.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»