دانيال موس
TT

الركود المسبب للبهجة في خضم الجائحة

لا يدعونا التقرير الاقتصادي الضعيف إلى البهجة والتشجيع إلا في خضم أجواء جائحة «كورونا» الراهنة. فلقد أعلن بنك كوريا الجنوبية المركزي الخميس، عن انخفاض بواقع 3.3 % في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من الشهور الثلاثة السابقة. وكان هذا التقرير أسوأ بكثير من التوقعات المنتظرة، وأعقبه انخفاض بنسبة 1.3 % في الفترة بين شهري يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) الماضيين. ويعتبر الأداء الاقتصادي في كوريا الجنوبية متقدماً على العديد من البلدان الصناعية الكبرى الأخرى. فعلى سبيل المثال، سوف تعكس اليابان انكماشاً اقتصادياً بنسبة تتجاوز 20 %، وذلك وفقاً لتحليلات خبراء الاقتصاد في البلاد. ومن شأن الناتج المحلي الإجمالي العالمي أن يتراجع بنسبة 10 في المائة على نحو تقريبي خلال الربع الفصلي الثاني عن الفترة نفسها من العام الماضي، وذلك وفقاً إلى شبكة «بلومبرغ» الاقتصادية.
وعلى نحو مقارن، فإن أداء كوريا الجنوبية يعد جيداً حتى الآن. وعلاوة على ما تقدم، تشير المؤشرات إلى تدنٍ كبير في النشاط الاقتصادي مع نهاية الربع الفصلي الحالي. ويتسق ذلك مع علامات الارتداد الواضحة لدى العديد من النظم الاقتصادية، لا سيما مع التخفيف من تدابير الإغلاق العامة. وتدخل معنويات المستهلكين في حالة من التعافي مع الصادرات، التي تعرضت لتقلبات موجعة في أوقات مبكرة من العام الجاري. بيد أن كوريا الجنوبية صارت في وضع جيد للاستفادة المثلى من إطالة العمل من المنزل لفترات طويلة. ولقد حظيت شركة «سامسونغ إلكترونيكس» وشركة «إس كيه هاينكس إنك» بارتفاع الطلب خلال الفترة الماضية على منتجات رقاقات الذاكرة. وأسفر التحول إلى مباشرة الأعمال من المنزل إلى دفع المؤسسات الكبرى وشركات الإنترنت إلى زيادة الاستعانة بالخوادم التي تستخدم أعداداً كبيرة من وحدات ذاكرة الوصول العشوائية الديناميكية.
وتعدّ كوريا الجنوبية أحد البلدان المتقدمة اقتصادياً القليلة التي أحجمت عن فرض تدابير الإغلاق العام واسعة النطاق. عوضاً عن ذلك، استندت إلى إجراء الاختبارات الجماعية للإصابة بالفيروس وتتبع الاتصال بحالات الإصابة المسجلة. وفي ظاهر الأمر، فإن الطبيعة الضحلة للانكماش الاقتصادي الراهن هناك تعد رداً مباشراً لذلك الاختيار من قبل الحكومة.
وفي حين أن الرئيس مون جاي إن ربما يكون متسامحاً، لا سيما بعد أرقام الركود الاقتصادي المعلن عنها يوم الخميس، فإننا لا يمكننا اعتبار أن البلاد تجاوزت المحنة الراهنة بأي مقياس معروف. إذ تمثل الصادرات أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، ومن الصعب للغاية الوصول إلى عتبة التعافي المفيد للاقتصاد في الوقت الذي تعاني فيه بقية بلدان العالم للخروج من أعمق هوة من هوات الركود التي شهدها العالم منذ ثلاثينات القرن المنصرم. ومن غير المرجح للنشاط الاقتصادي العالمي أن يعاود مستواه لما قبل تفشي الوباء الراهن وحتى حلول عام 2022 على أقل تقدير ممكن. ومع تجدد موجات الإصابة بالفيروس في الولايات المتحدة، ومع إعادة فرض بعض القيود الاجتماعية الصارمة في بعض أجزاء من قارة آسيا، يبدو هذا الافتراض ضعيفاً إلى حد كبير.
ومن الأهمية أيضاً أن نذكر أنه على الرغم من نتائج كوريا الجنوبية الاقتصادية الجيدة، فإنها لا تزال مثيرة للإحباط ومخيبة للآمال لدى بعض المسؤولين المعنيين بالأمر. فلقد أشار بنك كوريا الجنوبية المركزي إلى أنه يعتزم تخفيض توقعاته بشأن التراجع السنوي لمستوى 0.2 % في اقتصاد البلاد. ومن شأن الدعم المطول من جانب بنك كوريا الجنوبية المركزي أن يكون لازماً وضرورياً.
تعكس حكومة كوريا الجنوبية فوائد استمرار المراكز التجارية والمطاعم والمقاهي في مباشرة أعمالها في الوقت الذي تفرض فيه بلدان أخرى قيود الإغلاق على المنشآت نفسها. بيد أنه ليس من قبيل الحكمة أن نفترض أن هذه الاستراتيجية راسخة رسوخ الحجر الصوان. فلقد علمنا من تجارب الفترة العصيبة الماضية أنه عندما يتعلق الأمر بحالات الإصابة الكبيرة، أن ما يعلن عنه المسؤولون في أحد الأسابيع قد يجري إلغاء العمل به في الأسبوع التالي. كذلك، فإن الدولة التي أحسنت العمل بصورة جيدة للغاية في التعامل مع الوباء الراهن يمكن أن تتحول في وتيرة سريعة إلى اتخاذ التدابير الدفاعية إذا ما ادلهمت الخطوب.
وبصرف النظر تماماً عن المحاذير المعتبرة، لا ينبغي على شعب كوريا الجنوبية الشعور بالألم الشديد جراء الركود الاقتصادي الراهن؛ إذ ربما تمخضت الأمور عما هو أسوأ من ذلك بكثير.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»