حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أليس في «أرض الكمامة»!

عالم غريب ومختلف. هذا هو حال الناس اليوم، وهم يحاولون التعايش مع فيروس «كورونا» أو (كوفيد - 19) كما هو معروف بشكل أدق. السلاح الوحيد الذي تبناه العالم بالإجماع هو «الكمامة»، ومعها تعقيم اليدين، ومسافة مترين بين الأشخاص، سميت تلطفاً بالتباعد الاجتماعي. وماذا بعد؟! وهنا يأتي سؤال زياد الرحباني الذي اختاره عنواناً لأنجح مسرحياته «بالنسبة لبكرة شو؟» ليذكرنا بغموض الغد وحيرة التعامل مع المستقبل.
لم يكن السؤال التقليدي (كيف الصحة؟) ذا مغزى وقيمة ومعنى كما هو هذه الأيام. سألت أحد الأصدقاء منذ بضعة أيام السؤال الافتتاحي التقليدي: «كيفك؟» تنهد وقال: «منذ أيام وجملة معروفة ومشهورة في إحدى أهم المسرحيات المصرية القديمة تدور في رأسي وتلح على بالي بشكل غريب. كل ليلة قبل النوم أتذكر الفنان سعيد صالح وهو يحاور والده حسن مصطفى في مسرحية «العيال كبرت» في مشهد علق في ذاكرة الناس للأبد فقال: (العربية محصلهاش حاجة، هي كويسة بس كل حاجة لوحدها). يراودني شعور عجيب للغاية منذ شهور، الآن أنني أصبحت مثل سيارة سعيد صالح في المسرحية المذكورة. أنا بخير لكن كل شيء بداخلي لوحده. أحس بأنني أصبحت مبعثراً ممزقاً ضائعاً بين مشاعر مختلطة وأفكار متضاربة في كل الاتجاهات وزخم في كل شيء. ذهلت من الإجابة فسؤالي كان بسيطاً وتقليدياً ليأتيني الجواب أشبه برسالة دكتوراه في علم النفس. تمعنت مجدداً وشعرت أن الإجابة التي جاءتني قد تنطبق على الملايين من الناس والعشرات من الدول في نفس الوقت! عالم قبل «كورونا» شيء وعالم بعد «كورونا» شيء آخر، ولكننا في منطقة جديدة وخارج المقرر والمنهج تماماً، وهي عالم «مع» «كورونا» التي ستفرض علينا أساليب وطرق حياة بحسب المكونات الشخصية، فالإنسان الحذر سيزداد حذراً وتقوقعاً، والمغامر سيزداد مجازفة ليصبح أسلوب حياته أشبه بالروليت الروسي الانتحارية.
حتى خبراء الاقتصاد أصابتهم الحيرة فيما يمكن توقعه في القادم من الأيام وتحديداً في مرحلة التعايش مع «كورونا»، فهناك من يرى انحساراً وانكماشاً في نمط الاستهلاك والصرف بعد فترة «تعود» ليست بالقصيرة على الإنفاق حصرياً على المواد والسلع الأساسية تحديداً ولا غير، وهناك مدرسة أخرى في الرأي ترى العكس والنقيض تماماً، وذلك بالاعتقاد أن التعايش مع «كورونا» سيولد رغبة في «التعويض» تتحقق بالإنفاق الزائد كنوع من تدليل النفس. لجأ الناس خلال الفترة الماضية إلى الاستناد إلى الآراء الطبية والعلمية والاقتصادية والدينية، ولكن الآراء المقدمة كانت ترجيحية وظنية ولم تكن أبداً قطعية الدلالة. حتى الجهات العليا المسؤولة مثل منظمة الصحة العالمية، والدكتور أنتوني فوتشي مدير مركز التحكم في الأوبئة بالولايات المتحدة، تم تسييس آرائهم واهتزت الثقة بهم. حتى أنت يا فوتشي! حياة غريبة وعالم صعب ذلك الذي ستكون مجبوراً أن تحزر فيه مشاعر وتعابير من يواجهك وتسأل نفسك هل هو يبتسم أم غاضب، ويكون الاعتماد أكثر من أي وقت على ترجمة لغة العيون والتي لتعريفها التقليدي بأنها مرآة الروح ستأخذ بعداً أهم وأعمق في زمن «الكمامة».
ندخل مرحلة جديدة «تجريبية» لا تحتمل المجازفة بالأرواح، وبالتالي سيكون التباعد والكمامة جزءاً أساسياً من الحياة، لأنه أيضاً ثبت أنه لا يمكن المجازفة بالاقتصاد كذلك.
فيلم «كوروني» طويل مشاهده مزعجة وعنيفة. غزتنا لغة جديدة من الأرقام، فهناك من كان يتابع أرقام أسعار العملات وأسعار النفط ومؤشرات البورصات ودرجات الحرارة في البلدان التي كان ينوي السفر إليها أو حتى أرقام الميزان كل صباح لمن يراقب وزنه، اليوم تجمد الكل على الشاشات؛ همه الأساسي متابعة أرقام الإصابات والوفيات.
عالم جديد وغريب. روى لي صديق موقفاً يجسد براءة الأطفال في العالم المتغير، فقد كان يحكي أمام أفراد أسرته عن وفاة أحد معارفه بسبب إصابته بـ«كورونا» ومراسم الدفن الاحترازية المطلوبة فسأل حفيده سؤالاً عفوياً «ودفن بالكمامة يا جدي؟». عالم غريب وحياة مختلفة.
حاولوا أن تتفاءلوا!