جو نوسيرا
TT

الوباء ومنتقدو الإغلاق

بعد مرور ثلاثة أشهر على تسجيل أول حالة إصابة بوباء «كوفيد-19» داخل الولايات المتحدة، هل حان الوقت لتوجيه مزيد من الانتباه إلى النقاد؟
لا، ليس نوعية أنصار شعار «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد» الذين يعترضون بحمق، ويزعمون أنهم يملكون حقاً دستورياً لتعريض حياتهم وحياة الآخرين للخطر عبر تجاهل قواعد التباعد الاجتماعي؛ وبالتأكيد كذلك ليس جماعة «إنها مجرد إنفلونزا عادية».
أتحدث هنا عن أشخاص أمثال جون إيوانيديس، العالم بمدرسة الطب التابعة لجامعة ستانفورد الذي أشار في وقت مبكر إلى أن فيروس «كورونا» أقل فتكاً بكثير عما تتوقعه النماذج، أو عالم الأوبئة السويدي جون غيسكي الذي يرى أن حماية كبار السن والمرضى -مع السماح لباقي أفراد المجتمع بالمضي قدماً في أعمالهم- يبدو أكثير منطقية بكثير عن قرارات الإغلاق التي يرى أن فاعليتها لم تثبت على أرض الواقع بعد.
بطبيعة الحال، لا أتفق مع كل ادعاء يطلقه النقاد، خاصة أن بعضهم يتمادى إلى حد إنكار قيمة التباعد الاجتماعي من الأساس، رغم أن أهميته أصبحت واضحة تماماً منذ رصد تفشي وباء فيروس «كورونا» للمرة الأولى. ومع هذا، أعتقد أنه من المفيد دوماً الإنصات للأشخاص الأذكياء أصحاب الأفكار التي تسير ضد التيار.
ومثلما شرح إصدار «أنهيرد» الإلكتروني عبر الإنترنت في وقت قريب، فإن «النقاش الدائر حول قرارات الإغلاق ليس سباقاً بين الخير والشر». وفي هذا الإطار، أود أن أعرض هنا أربع حجج معارضة أرى أنه على أدنى تقدير ينبغي التعامل معها بجدية أكبر.
ما نزال نتصرف كما لو كانت النماذج الأولية صحيحة: في منتصف مارس (آذار) الماضي، قدر فريق من «إمبريال كوليدج»، في لندن، أن 500 ألف مواطن بريطاني، و2.2 مليون أميركي، سيتوفون جراء التفشي غير الخاضع للسيطرة لوباء فيروس «كورونا».
ومنذ ذلك الحين، جرى تنقيح النماذج الكبرى باتجاه انخفاض شديد. وتبعاً لبيانات تولى «رايك لاب» في جامعة ماساتشوستس - أمهرست تجميعها، فإن النماذج القائمة حالياً تقدر حدوث وفيات تتراوح بين 67 ألفاً و120 ألفاً داخل الولايات المتحدة. ومع ذلك، ما تزال إجراءات صارمة، مثل الإغلاق، اعتمدت على التقديرات الأولى مستمرة، بينما تمضي المستشفيات بمختلف أرجاء أميركا في حجز أسرة لمرضى «كوفيد-19»، رغم أن غالبيتها تبقى خالية.
لا جدال في أن ولاية نيويورك تعد من الأماكن القليلة على مستوى أميركاإلى جانب ديترويت ونيو أورليانز- التي وصلت منظومة المستشفيات بها إلى حدها الأقصى (رغم أنه حتى داخل مدينة نيويورك، لم تتحقق أكثر التوقعات كارثية. على سبيل المثال، فإن مستشفى «كومفورت» التابعة للأسطول، المقامة على متن سفينة جاءت إلى المدينة لتوفير أسرة طارئة، بدأت الآن رحلة عودتها، بعدما تولت رعاية 179 مريضاً فقط).
وتعد نيويورك المدينة الأعلى كثافة سكانية على مستوى البلاد، ولا شك أن الكثافة السكانية عنصر محوري في تفشي الوباء، إلا أن مدناً وولايات أقل كثافة سكانية بكثير فرضت هي الأخرى القيود ذاتها التي فرضتها ولاية نيويورك.
في المقابل، نجد أن حاكم أركنساس، أسا هتشنسون، لم يفرض قط على السكان البقاء بمنازلهم. ومع هذا، سجلت الولاية 104 حالات إصابة دخل أصحابها المستشفيات، و52 وفاة. ويطرح ما سبق تساؤلاً واضحاً: هل يبدو من المنطقي أن تفرض المناطق الأقل بكثير من حيث الكثافة السكانية القيود ذاتها التي تفرضها نيويورك؟
من جانبها، تقدر «كايسر فاميلي فاونديشن» أن 10 آلاف على الأقل من الـ50 ألف وفاة بسبب فيروس «كوفيد-19» التي وقعت داخل الولايات المتحدة كانوا مقيمين داخل دور رعاية. وتقدر مراكز السيطرة على الأمراض واتقائها أن 85 في المائة من مجمل وفيات فيروس «كورونا» كانت لأشخاص يبلغون الـ65 أو أكثر. ومن ناحيتها، أفادت صحيفة «ذي بوسطن غلوب»، بأن 67 في المائة من المقيمين داخل دار لرعاية كبار السن في هوليوك في ماساتشوستس (من إجمالي 225 شخصاً) توفوا جراء الإصابة بفيروس «كورونا». وهناك تقارير مشابهة بمختلف أرجاء البلاد.
وقد ادعى بعضهم أن منتقدي إجراءات الإغلاق على استعداد للتضحية بكبار السن بسرعة أكبر من أجل تنمية مناعة القطيع وهزيمة الفيروس، لكن الأشخاص الذين تحدثت إليهم قالوا العكس تماماً: إن الولايات بحاجة إلى ضخ مزيد من الأموال والجهود لحماية كبار السن والضعفاء، وإبقائهم بعيداً قدر الإمكان عن الفيروس.
ما مدى الضرر الذي نتعرض له جراء قصر تركيزنا على فيروس «كورونا»؟ في الواقع، هذا تساؤل كبير. ومن المعروف حجم الضرر الهائل الذي يلحق بالاقتصاد بسبب إجراءات الإغلاق.
ونشرت «ذي نيويورك بوست» مقالاً، لدانييل جي. ميرفي، طبيب الطوارئ في برونكس، ذكر فيه أنه منذ أن ضرب وباء فيروس «كورونا» البلاد، يتجنب الأشخاص غير المصابين بالفيروس أقسام الطوارئ بالمستشفيات.
وأضاف: «نسبة كبيرة ممن يبقون داخل منازلهم يعانون بالتأكيد من ظروف طبية وجراحية طارئة لا علاقة لها بفيروس (كورونا المستجد). ولا بد أن الأعداد المتزايدة لأشخاص يموتون في منازلهم خلال هذه الأزمة تتضمن ضحايا لاحتشاء عضلة القلب ونوبات ربو وعدوى بكتيرية وسكتات دماغية».
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»