مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

تركيا: من تصفير المشاكل إلى التدمير

لم يكن انهيار العملة التركية بقرابة الثلاثين في المائة منذ بداية العام الحالي وليد صدفة، بل هو نتاج سياسات رجب طيب إردوغان المتخبطة التي حوَّل بها الأصدقاء إلى أعداء، وصنع نمواً عمودياً بالاقتصاد التركي قائماً على حركة الأموال الساخنة والاقتراض، بل لو عدنا لعام 2006، فإن الليرة التركية خسرت حتى وقتنا الحاضر أكثر من 400 في المائة من 1.40 ليرة للدولار إلى 7.10 ليرة للدولار حالياً، وفي تقرير لصحيفة لوبوان الفرنسية بأن «تركيا في حالة اضطراب داخلي منذ ارتداء إردوغان عباءة أمير الحرب».
وأن الرئيس التركي، أغرق بلاده في صراعات إقليمية أدَّت إلى اضطرابات داخلية ترجمت على أرض الواقع في انعدام ثقة الناخبين الأتراك به وبحزبه، علاوة على الأزمة الاقتصادية، وعزوف المستثمرين والانشقاقات التي ضربت حزب العدالة والتنمية، ودفع بلاده للانزلاق إلى مسار سيئ نتيجة تصرفاته، وأنشطته السياسية المثيرة للجدل، التي أدَّت في نهاية المطاف إلى اضطرابات داخلية وإنذار بالفوضى.
نستطيع القول هنا إن الرئيس التركي دخل سنوات المتاهة من أوسع أبوابها، فهو يعيش مؤخراً أحلك فترات حكمه، بعدما وجد نفسه محاصراً يميناً وشمالاً بهزائم سياسية واقتصادية وانتخابية وحزبية تلاحقه وتضغط عليه، وتظهره بمظهر الزعيم الضعيف الذي فقد سطوته رغم بطشه في التعامل مع خصومه السياسيين وإحكام قبضته على الحكم في تركيا، فالعين الأوروبية اليوم على بحار الأزمة في مهمة «إيريني» لمراقبة حظر السلاح وتدفقه إلى ليبيا، ودخولها للمشهد مع روسيا وتركيا بعد أن خفت نجمها في ليبيا.
هذه المعطيات الجديدة دفعت العشرات من التقارير الصحافية الدولية لتتنافس على محاولة إظهار أسباب ومكامن الضعف، التي تعصف بالرئيس التركي وما ينتظر تركيا من منزلقات في سوريا وليبيا، الجدير بالانتباه على آية حال هو ما يؤكد أنه صراع خفي، لكنه مرشح للإعلان عن نفسه في أي لحظة من ثلاثي الشر إيران، وقطر، وتركيا، بل وصل الأمر إلى أن الأنظمة كاملة قد دخلت إلى الانحطاط، ومن لم يعترف بذلك فهو جزء من المنظومة، فعندما دعا تميم القوات التركية لحراسته وحماية نظامه، قامت أجهزة الرئيس التركي بالتجسس على النظام القطري، وعلى رأسه تميم بن حمد.
إن أحداثاً كبيرة تدور بالداخل القطري والتركي والإيراني، ومن بين هذه الأحداث المشهد العام في قطر، الذي بات يؤكد أن المرتزقة باتوا يتحكمون في الأمور، فأبناء البلد حريتهم سجينة وصلاحياتهم متآكلة ومغضوب عليهم وغير مؤتمنين على بلادهم ومستقبلها، فلا بد من البحث عن معنى لهذا النكران والجحود، وهذا ما يوصف به الوضع داخل الإمارة القطرية، فإدارة تميم أصبحت تخون القطريين، يشوبها تفكك يوحي بالضياع وتلاطم المصالح، حمل الخوف للشعب من الانغماس في سياسات الاضطهاد والاحتقار وتجريدهم من المناصبِ القيادية والحساسة، وبخاصة القطاعات العسكرية والأمنية.
هناك العديد من الأمثلة الأخرى إذا قلنا إن إيران لا تبتعد عن هذا التدهور السياسي، إذ لم تتمكن خلال الشهور الماضية من فرض أي مرشح لها لرئاسة حكومة العراق، التي كانت تلعب دوراً رئيسياً بتشكيلها ستة مرشحين تم رفضهم جميعهم وهم محسوبون على إيران، ولا يخلو المشهد اللبناني المنهار اقتصادياً من صداع تحول إلى صداع مزمن لحليف إيران «حزب الله» الإرهابي، وفي سوريا تتقزم أيضاً تدريجياً، ففي هذه الأثناء يتعرض الداخل الإيراني إلى خطر أكبر، حيث تحولت البلد إلى ثاني أكبر بؤرة لانتشار كورونا «كوفيد - 19» بعد الصين.
تخاذل النظام الإيراني الراعي للإرهاب في التعامل مع هذا الخطر، يكشف مدى استهتار الطبقة الدينية الحاكمة بأرواح المسلمين والارتفاع المفاجئ في الإصابات والوفيات، وهذا بحد ذاته يشكل قلقاً لدول الجوار، إضافة إلى ظروف اقتصادية متدهورة ومعقدة، كونها ما زالت تعيش في الماضي وتعذر خروجها لأنها في الغالب تعيش الثورة والتخبطات السياسية والعزلة الدولية وقد سبقتها دول العالم في ميزان القوى تجاوز ترسانتها الضخمة من السلاح النووي والإنفاق غير المحدود عليه بوجود نظامها الإرهابي على حساب الشعب واقتصاده واستقراره، فقد حان الزمن أن تختفي من واجهة منطقة الشرق الأوسط وتسقط في شر أعمالها.
قد تكون سياسة تصفير المشاكل ابتدعها أحمد داود أوغلو شريك إردوغان السابق بالحكم، والذي انقلب عليه، وإن كان يشك في ذلك لأن طبيعتهم التقية السياسية لكن هذه السياسة انتهجتها أيضاً قطر وإيران بفترات سابقة، ثم عادوا جميعاً مع تركيا إردوغان لتدمير تلك المكاسب وتحويلها لعداوات مع دول المنطقة، ونبذهم ونبذ سياساتهم، وكل ما له صلة بهم وبات خطرهم معروفاً للجميع، وملموساً بكل دول المنطقة ومعروفاً لشعوبها الواعية.