طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

بدل الشمس بتضوي شموس

«بكرة بيخلص ها الكابوس... بدل الشمس بتضوي شموس» رددتها جوليا بطرس قبل نحو ثماني سنوات، إلا أننا أعدنا قراءتها مجدداً، بما يتوافق مع حالنا الآن، وتمسكنا بأملنا الذي سيتحقق «يوماً ما»، صارت لدينا زاوية رؤية مختلفة، نتابعها بكثافة في أغنية «خليك بالبيت» لفيروز، فهي الآن ليست دليلاً على الحب، كما أرادها كاتب كلماتها جوزيف حرب وملحنها زياد رحباني، ولكن على وضع قاسٍ مفروض علينا جميعاً، منذ بضعة أسابيع، تماشياً مع بداية الإجراءات الاحترازية.
الكل في أنحاء المعمورة ينتظر إشارات الفرج لنخرج جميعاً من تلك الدائرة الخانقة. قبل الحصول على بطاقة الهجرة، تعددت الإطلالات، لتعيد بناء حالة جديدة، لها أبجدية مغايرة، اليقظة الأمنية تضاعفت بحكم الضرورة، لمنع الانتقال بين المناطق والمحافظات والمدن في نفس الدولة، مما أدى مؤخراً بالصدفة إلى اكتشاف صفقة كبرى لتجارة المخدرات، كان السر هو زيادة عدد دوريات الشرطة، عما هو معتاد في الأحوال العادية، فاكتشفوا تلك الصفقة المحرمة، فهي رمية بغير رامٍ.
ولكنّ باقي الرميات، مقصودة قطعاً، القوانين الصارمة التي تضعها الدول، ويذعن لها حرفياً الأفراد ويطبقونها وبلا نقاش، ستسفر في النهاية عن نسق اجتماعي آخر، لا أكرر مثل الآخرين، تعبير عالم آخر، ولكن هناك فقط معايير اجتماعية مختلفة ستنبت في تلك البيئة التي بطبعها تدفعنا للتوجس حتى من أقرب الناس إلينا، هذا النسق القادم بمفردات خاصة، سوف يُخرج إما أحلى ما فينا وإما أسوأ ما فينا، مثل هذه الملمّات الكُبرى هي القادرة على الدفع بنا إلى هذا التناقض الشاسع بين المتناقضات، الأبيض الناصع أو الأسود الكالح، هذا هو «البورتريه» القادم الذي يبدأ بالفرد، وينتهي إلى رسم حدود العالم.
المصل والدواء، هل يصبحان سلعة وقبلها صفقة لمن يمتلك براءة الاختراع؟ هذه المرة لسنا بصدد صاروخ أو سيارة أو روبوت، ولكن دواء يشفي البشر، أو مصل يمنع المرض أصلاً، وفي الحالتين، مَن يقف على الجانب الآخر بلا علاج أو مصل، سيجد في نجاة من يعرفهم نجاة له، ومن ينجو من الخطر، سيظل في خطر لو وجد أن هناك من لا يزال تحت مرمى نيران «كورونا»، الخطر بدأ خطه البياني في العالم كله متصاعداً، وبعدها باتت هناك مؤشرات على بداية الاستقامة، ومن ثم نهاية هذا الكابوس.
النسق القادم يولد الآن من (جين) مشترك بين العالم الواقعي بكل محدداته، والعالم الافتراضي بكل خياله، لقد عرفنا المسرح قبل آلاف السنين بينما السينما لا يتجاوز عمرها 125 عاماً، منذ أن دشنها في باريس الأخوان «لوميير»، وبقدر ما أثّر المسرح على السينما، بقدر ما استفاد المسرح واقتبس الكثير من روح السينما، وهو ما ستجده بشكل أو بآخر في تأثر العالم الواقعي الموجود قبل آلاف السنين بالعالم الافتراضي، الذي أسفر عن نفسه بقوة مع مطلع الألفية الثالثة، بات الآن إيقاع التغيير بعد تفشي «كورونا» أسرع، ومن كان متردداً، في الدخول إليه، أجبرته الإجراءات الأخيرة على اللهاث وراءه، وإلا وجد نفسه ليس فقط خارج المنظومة، بل سيقف وحيداً خارج المجرة.
يوماً ما، ننتظر أن يكون قريباً «بدل الشمس بتضوي شموس»، لتتعانق معاً الشمس الواقعية والشمس الافتراضية.