ديفيد فيكلينغ
TT

سرُّ الترافق بين «كورونا» وكراهية الأجانب

ترافقت الأوبئة جنباً إلى جنب مع العولمة منذ فترة طويلة، بيد أنَّ هناك ظاهرة ثالثة تتلمس خطاهما تلمساً حثيثاً، ألا وهي العنصرية.
وهذا مما يثير الشواغل لدى أولي الرأي والنظر. ولا يبدو أنَّ أزمة انتشار وباء «كورونا» الراهنة سوف تسفر عن رد عالمي موحد، ورئيس أميركي كان يصف الوباء بأنه «فيروس صيني»، في حين أثار المسؤولون الصينيون نظريات المؤامرة السخيفة عبر منصات التواصل الاجتماعي حول نشر الجيش الأميركي للوباء في المقام الأول. وبالتأكيد، تشيع القصص والحكايات وتتناثر من هنا وهناك عن الأشخاص المعرضين لسوء المعاملة الشديدة لمجرد السعال، لأنهم آسيويون، أو إبعادهم من العمل في الشركات بسبب أصولهم الصينية الحقيقية أو المفترضة.
ومما يؤسف له، أنه ما من شيء جديد في هذا. وكما كتب زميلي بانكاج ميشرا، قائلاً: تتوازى مجريات العصر الراهن مع أحداث وقعت قبل قرن من الزمان، عندما تكشفت أمارات الاقتصاد العالمي المترابط عن فوضى الحرب العالمية الأولى العارمة. وكان المرض، تماماً مثل الحرب أو الثورة، هو المحرّض الأول على السقوط والانهيار.
لقد فرض عصر الانتقال بالبحر قدراً من الضبط والقيد على تفشي الأوبئة وانتشار الهجرة. فقد كان الأمر يستغرق شهراً كاملاً أو نحوه من أجل عبور المحيط الأطلسي، مما يعني أن أي حالات للعدوى كانت قد احترقت ذاتياً بحلول الوقت الذي تبلغ فيه ميناءً من الموانئ. وعندما انتشر التيفوس في أميركا الشمالية بين المهاجرين الآيرلنديين الفارين من مجاعة البطاطس الآيرلندية في أربعينات القرن التاسع عشر، كان تفشي الوباء على متن السفن المهاجرة شديداً وسيئاً، لدرجة إطلاق مسمى «سفن التوابيت» على السفن والقوارب التي تنقل المهاجرين.
ثم غيّرت السفن البخارية من الأمر برمّته، وفتحت سبل النقل البحري عبر المحيط، من خلال خفض التكاليف بصورة كبيرة وتقليل الوقت اللازم لعبور المحيط الأطلسي في أقل من أسبوع، الأمر الذي ساهم في اندلاع الموجات الأولى من الهجرة الجماعية مع مهاجرة الملايين من الرعايا الأوروبيين إلى العالم الجديد – ولكنه أخضع طول الرحلة عبر المحيط الأطلسي ضمن الفترة التي تساعد على انتشار الأمراض من دون ملاحظة أحد.
وانتشرت الكوليرا، التي كانت مقصورة ضمن منطقة محدودة ومتوطنة حول البنغال، بين ضباط وتجار الإمبراطورية البريطانية إلى مستوى انتشار الوباء المدمر في كل قارة من قارات البسيطة. ولعب الجدري وأوبئته دوراً حاسماً في الأميركتين منذ اليوم الأول لوصول بعثة كولومبس، الأمر الذي هيّأ الأجواء للاستعمار نظراً لآثارها المدمرة على سكان البلاد الأصليين. كما تسللت الحمى الصفراء على نحو تدريجي من منطقة البحر الكاريبي وأميركا الوسطى حتى نطاق الانتشار الوبائي الكبير في جنوب الولايات المتحدة في عام 1889، مع انتشار أول جائحة من الإنفلونزا من روسيا إلى أميركا الشمالية في وقت وجيز للغاية.
ومنذ تلك الحقبة، اتسقت القيود المفروضة على الهجرة، جنباً إلى جنب مع تدابير الصحة والوقاية العامة. وليس من قبيل المصادفة أن مواقع ميناء نيويورك ذات الصلة الوثيقة بالهجرات الجديدة – مثل جزيرة إليس وجزيرة إيبرتي – ترجع ذكراها في مخيلة الناس إلى محطات الحجر الصحي الأولى. ووفقاً لنشرة منظمة الصحة العالمية لعام 2007، فإن «الانتقال الدولي من الأمور الأساسية في عولمة الأمراض المعدية والمزمنة، ويعكس تاريخُ الصحة والسياسات الخارجية، الروابط طويلة المدى بقضايا الهجرة».
ومع التزام الناس بالبقاء في منازلهم، فإنهم يدركون تماماً أن القيود المفروضة على الحركة والانتقال والتواصل والتفاعل مع الآخرين، من المسائل الحيوية والحاسمة في الحد من تفشي الأوبئة والإقلال من انتشار الأمراض. والعنصرية، مع ذلك، تستغل خللاً ظاهراً في المنطق البشري بنفس قدر الفعالية التي تستغل بها الأوبئة الخلل البشري في دفاعات المناعة. والمغالطة الرئيسية تكمن في افتراض أنه إذا كان السفر الدولي يساهم في انتشار الأمراض، فمن المرجح أن تكون المجموعات الأجنبية من بين حاملات العدوى. والفيروسات، رغم كل شيء، هي على العكس من البشر، لا تميّز على أساس الأصول أو الأعراق.
وانتشار فيروس «كورونا» في إيطاليا من بين أبرز الأمثلة على ذلك. وزعم العديد من المعلقين من دون أدلة واضحة أن مصدر انتشار الوباء في شمال إيطاليا يرجع إلى العدد الكبير من المهاجرين الصينيين العاملين في قطاع الموضة والأزياء الإيطالية. وفي حقيقة الأمر، يعد تعقب التواصلات بين الأشخاص المصابين بهدف الوصول إلى «أول مُصاب» من الممارسات المعهودة في مكافحة الأوبئة، وليست هناك إشارة واحدة إلى أي أصول مهمة لانتشار المرض بين عمال الملابس في الشمال الإيطالي. وتشير الدراسات والأبحاث كافة حتى الآن، إلى أن المصدر الرئيسي في إيطاليا يرجع إلى موظف في شركة «يونيليفر» يبلغ من العمر 38 عاماً اسمه ماتيا من بلدة كودونو في شمال إيطاليا.
وعلى الرغم من نقص الأدلة على مسؤولية الجماعات العرقية عن تفشي الوباء، جرى استغلال الشائعات الكاذبة في كثير من الأحيان في تبرير التدابير ذات الصبغة العنصرية. وعُرض أحد الرسوم الكاريكاتورية من القرن التاسع عشر ظهر في مجلة «بولتين» الأسترالية ويصوّر الصين على أنها أخطبوط شديد الخبث، يقصد الإضرار بالبلاد مع اثنتين من أذرع الأخطبوط تحملان مسمى مرض الجدري والتيفويد.
وكانت هناك قصة مماثلة في الولايات المتحدة، إذ جرى رفض دخول 1% فقط من المهاجرين الأوروبيين الذين وصلوا إلى جزيرة إليس أوائل القرن العشرين لأسباب صحية. وعلى النقيض من ذلك، جرى حرمان 17% من المهاجرين الآسيويين من دخول جزيرة سان فرانسيسكو لأسباب طبية، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الفحوصات الصارمة، وفئات الأمراض الغامضة التي سُحبت على غير الأوروبيين آنذاك.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»