أثارت صلعتي البهيّة والآخذة في الاتساع واللمعان يوماً بعد يوم، كثيراً من التعليقات والمداعبات والطرائف. ضقت ذرعاً بها أخيراً، فقررت سترها تحت غطاء مناسب وزهيد. بقيت أبحث وأسأل وأناقش من دون أن أهتدي لما يناسبها ويناسب صاحبها. ولكنني مؤخراً وجدت غايتي خلال زيارة للمعرض الوطني «ناشيونال غاليري» أمام ساحة «الطرف الأغرّ». دخلت مخزن الكتب والهدايا فلفتت نظري هذه القبعة السوداء البيريه الفرنسية. عرضوها للبيع في هذا المكان على أساس أنه مخزن للفنانين، والبيريه شعار الرأس وستره التقليدي للفنانين. ولمّا كنت أعدّ نفسي واحداً منهم وأحمل دبلومات عدة في الفن، فقد سارعت إلى ابتياع واحدة تناسب حجم رأسي وصلعتي. دفعت الثمن ووضعت البيريه على رأسي وخرجت.
هكذا سترت على صلعتي من حينها. أرتديها حيثما ذهبت. ولم يعد الناس يشاهدون صلعتي البهيّة. ومن يصرّ على مشاهدة الأصل؛ فعليه أن يدفع ثمن البيريه لأخلعها له بامتنان.
رحت أراجع ذكرياتي عن صلعتي وما قيل فيها وعنها من قصائد ومواويل، حتى وقعت أنظاري على هذه الرسالة الطريفة التي تسلمتها قبل سنوات من السيد الفاضل محمد محمود جاد الله من المدينة المنورة. يقول:
«كنت في الحقيقة محجماً عن المشاركة في هذه المعمعة بشأن الصلعة، مكتفياً بالفرجة من بعيد. ولكن مقاومتي لم تدم طويلاً أمام إغراء المشاركات الممتعة التي ساهم بها القراء والشعراء، فأحببت أن أدلي بدلوي مع الدلاء، وليكن بعد ذلك ما يكون من أمري وأمرهم. وهذه مداعبة خفيفة عن صلعتكم الذكية، وحالي وحالك يا صديقي من هذه المعمعة كمن قال:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعف النطق إن لم يسعد الحال
ويمضي الأخ جاد الله فيطرح مساهمته عن صلعتي؛ فيقول:
يا خالد القشطيني صباحكم يجنيني
ركبت متن التصابي وأنت في الستين؟!
إن جاء ذكر الغواني تبكي بدمع سخين
إذا الشباب تولى فذاك نصف المنون
وأنت تبكي شباباً تشتاق سحر العيون
مصعداً زفرات بنارها تكويني
تخوض حرباً عواناً بصلعة حيزبون
كما السجنجل تبدو بيضاء فوق الجبين
تزاور الشمس عنها تزهو برأس متين
بطيخة ذات حسن حمراء في السكين
ما قال «غين» صحيح فالسر في المليون
للمال سحر عجيب يظل فوق الظنون
وهن دوماً سراعا لكل جيب سمين
لا تخشَ منهن صداً يا خالد القشطيني
أهديك يا صاح ودّي وصلعتي تكفيني