حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مشاهد كورونية!

هناك مشاهد للفيروس «كوفيد – 19» وتداعيات انتشاره حول العالم، التي احتلت عناوين الأخبار بامتياز، بل إنها باتت الأخبار الحصرية فعلاً. ولكن هذا المشهد الظاهر، لا يخفي المعركة المحتدة بين الولايات المتحدة والصين، مع ارتفاع حدة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين في المؤتمرات الصحافية الأخيرة.
الصين تصر على ترويج إشاعة أن الفيروس تم تسريبه بشكل متعمد ليضربها بعد أن تم تصنيعه من أحد المعامل المختبرية الأميركية، ومن جهتها، تهاجم أميركا الصين وتتهمها بأنها أهملت وأنكرت وتجاهلت المرض في مراحله الأولية الحاسمة والحرجة، وهذا التصرف والتأخر في إظهار الحقيقة وعدم التعاون الدولي فاقم الوضع وكلف العالم سقوط موتى وضحايا. إنها الحرب الخفية بين الصين وأميركا.
منذ قرنين من الزمان حذر نابليون قائلاً: «دعوا الصين تنام، عندما تستيقظ ستهز العالم»، اليوم استيقظت الصين والعالم اهتز؛ اهتز اقتصادياً وسياسياً، واليوم بسبب مشكلة محلية في القطاع الصحي الصيني خرجت عن حدود السيطرة ها هو يهتز عالمياً.
أميركا ومنذ حقبة باراك أوباما وضعت الصين في خانة «الخطر التهديدي الأكبر»، ووضعت اهتمامها السياسي والاقتصادي والأمني والقانوني باتجاه الصين في المقام الأول. المؤرخ اليوناني القديم ثوسيديديس له نظرية عرفت بعد ذلك باسمه «مصيدة ثوسيديديس»، وهي تقول إنه في حالة صعود جدي لقوة عظمى لتحل محل قوة عظمى أخرى متحكمة، فيجب قرع أجراس الإنذار لأن هناك خطراً داهماً يلوح في الأفق، تماماً كما حدث قديماً في التاريخ بين أثينا وسبارتا. واليوم هناك شواهد ودلائل عظيمة وكثيرة من أن الصين وأميركا في طريق حتمي لحرب مدمرة بينهما. وهذا ما طرحه الكاتب الأميركي غراهام اليسون في كتابه المهم «مصير الحرب» الذي يفند فيه أسباب صعود حدة التنافس بين الدولتين، علماً بأنه ليس أول من تطرق لهذه المسألة، فلقد سبقه إليها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر وصموئيل هانتنغتون وجورج فريدمان في كتبهم المختلفة. ولكن المشهد يزداد سخونة؛ إذ تكونت له الأرضية الحالية في أول أيام الرئيس دونالد ترمب مع هجومه العنيف على «حلفائه» الأوروبيين ومعاقبتهم مالياً، وبالمقابل زادت الصين من «وجودها» الاستثماري والتجاري مع القارة العجوز، واليوم تتوجه إليها دول الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا وصربيا والتشيك واليونان للحصول على المعدات والأدوات الطبية والعون والخبرة الطبية والفنية في كيفية التعامل مع هذا المرض، وتنال بموجب ذلك الإعجاب والشكر والثناء في قلب القارة الأوروبية.
إنها القوة الناعمة الإنسانية المؤثرة في وجه المرض، الإنسانية مقابل الكراهية، الإنسانية مقابل العنصرية. «كوفيد 19» ولد القلق والخوف والشك والعنصرية والمرض والموت. إلا أنه في المحنة تولد المنحة، فتخرج بعض أجمل الصفات الجميلة في الناس، وتجبر الإنسان على أن يرى في القبح جمالاً مهما كانت حتمية الصراع الكبير بين الفيلة، التي عندما تتصارع يموت تحت قدميها الحشيش كما تقول الحكمة الهندية القديمة.
الصين وأميركا تتقاتلان على سبب المرض، والآن تريدان أولوية الفوز بمن سيقدم العلاج للجميع. عموماً من حضّر العفريت عليه أن يصرفه.