حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

«كورونا» والحرب الجيدة!

حالة غير مسبوقة من الهلع والتداعيات تسبب فيها الانتشار السريع والمخيف لفيروس «كورونا المستجد»، الذي بات يعرف بـ«كوفيد 19». أسواق مالية في حالة انهيار تام، أسعار النفط انخفضت إلى مستويات لم يشهدها العالم منذ زمن، وأسعار العملات وصلت إلى مستويات متدنية للغاية هي الأخرى. نسبة الاستهلاك في معظم السلع والخدمات التجارية تقترب من الصفر تقريباً. تصريحات من زعماء وقادة العالم، استخدمت فيها عبارات كبيرة، مثل مقولة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عندما قال: «استعدوا لتوديع أحبابكم»، ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون الذي قال بشكل مختصر ومفيد: «نحن في حالة حرب»، ورئيسي وزراء إيطاليا وإسبانيا، كل على حدة وصف الوضع بالمأساوي والكارثي، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي وصف الوضع «بالخطير جداً»، والرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يعقد مؤتمرات صحافية بشكل يومي ويغرد عبر «تويتر» بكلمات مليئة بالقلق والخوف ولوم الصين بشكل رئيسي. الصين يتم تجيش العداء «التجاري» لها منذ فترة طويلة، ويتم فضح سجلها اللاإنساني ضد الأقليات، وتحديات الحريات الإعلامية فيها، لكن الصين اليوم تشكل بالنسبة لدوائر صناعة القرار السياسي والأمني في الغرب تحدياً استراتيجياً، ظهر ذلك عند اتضاح الفجوة التقنية، مع الإعلان عن الجيل الخامس من ثورة الاتصالات الهاتفية، والتي كانت الصين جاهزة له، وأطلقتها بالفعل، ولم يكن لدى الشركات في الغرب البديل الجاهز، وكان الرد عليها بالعقوبات الاقتصادية القاسية جداً.
ما يحصل الآن هو «العادي الجديد» تحضيراً لمنظومة عالمية جديدة في الصحة والاقتصاد، يتم التحضير لها بالمعلومات والتجارب العملية. اليوم باتت المعلومات (Data) هي أشبه بالنفط في حقبة السبعينات، إنها القوة الاقتصادية المؤثرة الجديدة، وهناك صراع مفتوح للهيمنة والسيطرة عليها. إننا أمام مشاهد فيها كثير من ملامح ما قبل الحرب العالمية الثانية؛ ركود اقتصادي، تكتل سياسي، أوضاع سياسية مضطربة. قال وقتها أحدهم: «إن ما يحتاجه العالم اليوم هو حرب جيدة»، معتقداً أن «الحرب الجيدة» تستطيع «توجيه» الاقتصاد باتجاه التنمية المركزة في الإنتاج النفعي لمواد أساسية تضمن توظيف الناس والقضاء على الركود. هناك أجواء «حرب جيدة» تلوح في الأفق كجزء من الحل المطروح لمواجهة فيروس «كوفيد 19» وتبعاته الاقتصادية والسياسية. في السنوات الانتخابية هناك مجال دائماً لـ«حرب جيدة».
المناخ المثالي لصناعة الحروب وتسويق مبرراتها، هناك حروب كثيرة في السابق أطلقت لأسباب مجهولة وغير مقنعة، ليتبين لاحقاً أن المنافع الاقتصادية، وبالتالي السياسية، استحقت التكلفة والثمن، لأن العوائد والاستفادة كانت أكبر.
هذه منطقة غير مسبوقة، وكل الاحتمالات مفتوحة، والمؤكد أنها مجرد تمهيد لمرحلة قادمة، مختلفة كلياً، تتضمن إعادة هيكلة لما هو قائم، وليست مجرد حادثة انتشار عابر لفيروس غامض. سيربح فقط من يعي ذلك جيداً، ويحسن استثماره واستغلاله.