خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حديث الطلاسم

لا شك أن من أشهر القصائد الحديثة قصيدة إيليا أبو ماضي «الطلاسم». حفظنا الكثير منها في مدارسنا، وحفظنا المزيد منها من غناء عبد الوهاب لها.
عارضها كثير من الشعراء، منهم الدكتور ربيع السعيد عبد الحليم، ونشر معارضته في كتابه «فك الطلاسم». العجيب في الأمر أن يكون الشك نصيب الأديب والإيمان نصيب العالم والطبيب. كنت أنتظر العكس، لكن العكس لم يقع.
يبدأ أبو ماضي قصيدته بهذه الأبيات التي ما زالت ترن في أذني بصوت محمد عبد الوهاب في فيلم «رصاصة في القلب»، فيقول:
جئت لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أمْ أبيت
كيف جئت، كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
يتناول الدكتور ربيع هذا المقطع فيعارضه ويقول:
جئت دنياي وأدري، عن يقين، كيف جئت
جئت دنياي لأمر، من هدى الآي، جلوت
ولقد أبصرت قدامي دليلاً، فاهتديت
ليت شعري، كيف ضل القوم عنه؟
ليت شعري!
يمضي شاعر المهجر فيستعرض كل ما اعترض حياته من ألغاز وغيبيات وطلاسم. يواجه البحر ويتذكر ما قاله العلماء عنه، فيسأل البحر، لكن أمواج البحر تضحك من سؤاله وتقول: لست أدري. يقف عند المقبرة فيسأل دود القبور في المحاجر: هل رأيت الأمن والراحة إلا في الحفائر؟
يجيبه الدود: لست أدري. تغمره الذكريات، فيغني عبد الوهاب:
أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير؟
أين جهلي ومراحي وأنا غضٌّ غرير؟
أين أحلامي وكانت كيفما سرت تسير؟
كلها ضاعت، ولكن كيف ضاعت؟
لست أدري!
أنا لا أذكر شيئاً من حياتي الماضية
أنا لا أعرف شيئاً عن حياتي الآتية
لي ذاتٌ غير أني لست أدري ما هي
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتِ؟
لست أدري!
يتناول الدكتور الجراح هذا الطلسم فيقول:
أنا لا أغفل شيئاً من حياتي الماضية
أنا لا أذكر شيئاً من حياتي الآتية
لي ذاتٌ هي روحي وهي دوماً باقية
مقري، بعد موت، دار خلد... أنا أدري