جستن فوكس
TT

ما مدى سوء «كورونا»؟ فلننظر إلى الأرقام

أدى انتشار فيروس «كورونا» إلى تحول الكثير منا إلى اختصاصيين هواة في علم الأوبئة. فلنُصغِ إلى ميك مولفاني، الموظف السابق في مجال التنمية العقارية وعضو الكونغرس عن ولاية كارولاينا الجنوبية، والذي يعمل حالياً كبير موظفي البيت الأبيض، حيث قال الأسبوع الماضي: «يموت الناس بسبب الإنفلونزا. هذا ليس مرض (إيبولا)، ولا متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس)، ولا المتلازمة التنفسية الشرق أوسطية. إنه ليس حكماً بالإعدام، ولا يشبه الوضع أزمة (إيبولا)».
كل تلك التصريحات صحيحة، فالناس قد يموتون بسبب الإنفلونزا بالفعل، حيث بلغ عددهم نحو 61099 شخصاً خلال عام 2017 - 2018، والذي كان أسوأ موسم للإنفلونزا، في الولايات المتحدة. وعدد المعرّضين لخطر الوفاة بسبب الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» أقل من المعرّضين للوفاة بسبب فيروس «إيبولا»، أو متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم (سارس) عام 2003، أو المتلازمة التنفسية الشرق أوسطية التي ظهرت للمرة الأولى عام 2012. صحيح أيضاً أن الوضع لا يشبه أزمة «إيبولا»، التي حدثت عام 2014، وذلك لأنها تمثل همّاً أكبر بالنسبة للولايات المتحدة ودول أخرى خارج منطقة غرب أفريقيا. وكما ذكر بيل غيتس، أحد مؤسسي شركة «مايكروسوفت»، والذي يعد حالياً اختصاصياً هاوياً في علم الأوبئة، لكنه على قدر من المعرفة، في دورية «نيو إنغلاند جورنال أوف مديسين» الطبية: «لقد بدأ فيروس (كوفيد – 19) في التصرف مثل مسبب مرض يثير قلقنا مرة كل قرن».
كيف يمكن التوفيق بين تلك الآراء المختلفة بشأن «كوفيد - 19»؟ أنا أيضاً لست اختصاصياً خبيراً في علم الأوبئة، لكنني أرى أن المخططات والمعادلات البسيطة يمكن أن تساعدني في تدبر الأمر. مع افتراض مشاركة الآخرين لي في رؤية فائدة هذا الأمر، فلنبدأ بمعدل إماتة الحالة التقريبي فيما يتعلق بالأمراض التي ذكرها مولفاني إضافةً إلى بعض الأمراض الأخرى التي ربما تكون قد سمعت بها.
يمكن لمعدل إماتة الحالة أن يتغير كثيراً وذلك حسب الوقت، والمكان، وتلقي العلاج. من الواضح أن «كوفيد - 19» هدف متحرك، لذا أذكر معدل الوفيات العالمي نتيجة المرض، والذي أعلنته منظمة الصحة العالمية الأسبوع الحالي، والبالغ 3.4%، والنسبة التقديرية البالغة 1% والواردة في دراسة صادرة عن مركز «إم آر سي» لتحليل الأمراض المُعدية العالمية التابع لـ«إمبريال كوليدج لندن» (كلية لندن الإمبراطورية) في 10 فبراير (شباط)، والتي تضمنت حالات محتملة لم يتم تسجيلها. كذلك قال مؤلفو تلك الدراسة إنهم متأكدون بنسبة 95% من أن معدل الوفيات الصحيح يتراوح بين 0.5% و4%، حسب المعلومات المتاحة وقت إجراء الدراسة. ذكر غيتس نسبة 1% في مقاله، ورأت كارولين باكي، اختصاصية في علم الأوبئة وأستاذة في كلية «تشان» للصحة العامة بجامعة «هارفارد»، أن هذا الرقم «معقول».
في سياق يتضمن «إيبولا»، والمتلازمة التنفسية الشرق أوسطية، يقترب معدل الوفيات بسبب «كوفيد - 19» كثيراً من معدل الوفيات بسبب الإنفلونزا، لهذا من الطبيعي أن يجد الناس تلك المقارنة مطمئنة للنفوس، لكنّ بمقارنة «كوفيد - 19» بالإنفلونزا سيصبح من الواضح مدى الاختلاف بينهما، حيث بلغت حالات الوفيات بسبب الإنفلونزا خلال الموسم الأسوأ المذكور آنفاً 0.14% من عدد الحالات المصابة بأمراض شبيهة بالإنفلونزا والذي يُقدّر بنحو 44.8 مليون. كذلك بلغ العدد التقديري للحالات، التي تم نقلها إلى المستشفى بسبب الإنفلونزا، 808,129 حالة بمعدل 1.8%. إذا حدث انتشار بهذا الحجم لفيروس «كوفيد - 19» في الولايات المتحدة الأميركية، فسيكون العدد التقديري لحالات الوفيات، والتي تم نقلها إلى المستشفى، أكبر من ذلك العدد بمقدار خمسة أو عشرة أمثال، أي ستكون لدينا أرقام مروّعة: بين 300 ألف و600 ألف حالة وفاة، وبين 4 ملايين و8 ملايين حالة تم نقلها إلى المستشفى في بلد يوجد فيه 924107 أسرّة ويحظى برعاية في المستشفيات. كذلك تزداد معدلات الوفيات إذا كان مستوى نظام المستشفيات متراجعاً مثلما حدث في إقليم هيبي الصيني الذي شهد بداية انتشار «كوفيد - 19»، ويبدو أن هذا يحدث في إيران حالياً. لهذا من المهم إبطاء انتشار الفيروس حتى إذا تبين عدم إمكانية التصدي للمرض.
هل ينتشر «كوفيد - 19» حقاً على نطاق واسع مثل الإنفلونزا؟ طبعاً إذا كانت الظروف مواتية لذلك. المقياس المعياري للعدوى هو ما يسمى عدد أو معدل التكاثر الأساسي. إذا كان عدد التكاثر واحداً فهذا يعني أن كل شخص مصاب بالمرض قد يُعدي شخصاً واحداً آخر، وإذا كان العدد أقل من واحد فهذا يعني أن المرض سوف يختفي تدريجياً، أما إذا كان أكبر من واحد فهذا يعني قدرة المرض على الانتشار سريعاً.
فيما يلي عدد التكاثر الخاص بالأمراض المذكورة أعلاه. رغم أنها أرقام تقديرية، توضح درجة العدوى النسبية، ويساعد ذلك في تفسير سبب رغبة سلطات الصحة الحكومية في تلقي الجميع لقاح الحصبة، فالمرض ليس مميتاً، لكن بمجرد انتشاره وسط أشخاص غير محصنين ضده سيصاب الجميع به. يبدو أن الأرقام تشير أيضاً إلى أن «كوفيد - 19» مُعدٍ بدرجة أكبر من الإنفلونزا الموسمية. مع ذلك لا يتعلق الأمر بعدد التكاثر فحسب، فعلى سبيل المثال ما الداعي للقلق من المتلازمة التنفسية الشرق أوسطية، إذا كان عدد التكاثر الخاص بها أقل من واحد. مبعث القلق هنا هو أن المرض مميت، حيث يمكن لعدد التكاثر أن يزيد على الواحد في بعض البيئات وفي المستشفيات، بل وقد تُصاب بالعدوى من الجَمَل الخاص بك.
كذلك يعد مرض «سارس» مُهلكاً أكثر من «كوفيد - 19»، وعدد التكاثر الخاص به مماثل؛ فلماذا اختفى تماماً في غضون عام، في حين يحذّر بعض الخبراء من بقاء «كوفيد - 19» إلى الأبد؟ لأن «سارس» لا يصبح معدياً في العادة إلا بعد ظهور الأعراض بعدة أيام، مما يعني أن «الإجراءات التي يتم اتخاذها خلال تلك الفترة من عزل المرضى أو وضعهم داخل الحجر الصحي قد تعرقل انتقال العدوى وانتشارها»، حسبما كتب خبراء بريطانيون في الأمراض المُعدية عام 2004. في حالة «كوفيد - 19»، «يبدو أنه قادر على الانتقال قبل ظهور الأعراض على المريض»، حسب قول باكي.
على الجانب الآخر، صرح تيدروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، خلال الأسبوع الحالي، بأن درجة الانتقال السابق لظهور الأعراض منخفضة على نحو يتيح السيطرة على «كوفيد - 19» على عكس الإنفلونزا. وقال: «لو كان ذلك المرض إنفلونزا وبائية لَكُنَّا قد رأينا حالة انتشار مجتمعي في جميع أنحاء العالم. ولن تجدي معه أي محاولات أو جهود لإبطاء انتشار المرض أو احتوائه».
والآن مع عودة الصين إلى العمل سيكون السؤال الأهم هو: هل يمكن أن تنجح طريقة أقل تشدداً وصرامة في التصدي للمرض أم أنه سوف يعود للانتشار مرة أخرى؟ يعد هذا سؤالاً مهماً وصعباً في كل من الولايات المتحدة، وأوروبا، بل ومناطق أخرى من العالم. كذلك لا يستطيع الاختصاصيون في علم الأوبئة تقديم إجابة وافية لهذا السؤال؛ فالمقارنة بين تكاليف القيام بتدخل محدد ومنافعه، ومعرفة إذا كان الأمر يستحق العناء، هو قرار سياسي بحت. لذا من الجيد أن يعمل السياسيون كاختصاصيين هواة في علم الأوبئة أيضاً كعمل إضافي، وربما فقط يحتاج بعضهم إلى دراسة الأمر بشكل أكبر وأكثر جدية.

-بالاتفاق مع «بلومبرغ»