خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الجوزة المعرضة للانقراض

الجوزة، أو الكمنجة، من الآلات الموسيقية الوترية التقليدية التي تعتبر آلة رئيسية في موسيقى الجالغي البغدادي، أو الطقمسي. وهي منتشرة في تركيا وإيران وتركمانستان. وكانت معروفة في العراق، وعلى الخصوص في بغداد. وكان اليهود يحتكرون صنعها والعزف عليها. اشتهر منهم في أوائل القرن العشرين نسيم بصون وصالح بن شميل وفرايم بن شاؤول بصون. بيد أن هجرة اليهود إلى إسرائيل جعلت هذه الآلة معرضة للانقراض. لا يوجد في العراق الآن من يحسن صنعها المعقد غير قلائل من الموسيقيين. منهم صهيب بن الحاج هاشم محمد الرجب. ولكنه هو الآخر رحل من العراق واستقر الآن في لندن.
دخلت الجوزة إلى العراق من إيران في القرون الأخيرة. ولم يرد لها ذكر في الكتب الموسيقية. ولكن اللاذقي أشار إليها في كتابه «الرسالة الفتحية». وذكر المستشرق الإنجليزي، هنري فارمر أن الجوزة شاع استعمالها في العراق في القرن الخامس عشر الميلادي.
سميت هذه الآلة بالجوزة لأنها تصنع من جوز الهند. يقوم الصانع المحترف بانتقاء جوزة هند كبيرة ثم يستخرج منها لبها وحليبها فلا يبقى منها غير قشرتها الخشبية القوية. يقوم بعد ذلك بقطع نهايتي الجوزة. ثم تسد إحدى الفتحتين بلصق قطعة مدبوغة من جلد خروف أو حيوان آخر مشابه من الماشية.
نوصل الجوزة بعد ذلك بعود من خشب المشمش أو النارنج. أما الأوتار فتربط بمشط معدني من الحديد يثبت بأسفل الجوزة. وهذا المشط ملحوم بقضيب هو الآخر من حديد بطول نحو قدم تقريباً. ويخرق هذا القضيب الحديدي الجوزة من الأسفل إلى الأعلى. وتربط الأوتار بمفاتيح كائنة برأس القضيب الخشبي. وللجوزة أربعة أوتار تختلف في السمك بحيث يعطي كل منها صوته الخاص. أما العزف فيجري بقوس وتري.
وقد استقيت هذا الوصف من كتاب هاشم محمد الرجب «المقام العراقي». وهو من منشورات دار الحكمة بلندن.
إن من الواضح من هذا الوصف أن الجوزة آلة في غاية الدقة، وصفاً وعزفاً، كما هو الحال بالنسبة لسائر الآلات الموسيقية - شرقاً وغرباً. وهو ما يجعلها آلة معرضة للانقراض ما لم تتعهدها وترعاها المؤسسات الموسيقية كمعهد الفنون الجميلة في بغداد، حيث تعتبر الجوزة وموسيقاها جزءاً من التراث العراقي الموسيقي. ولكنها تكاد تكون غير معروفة في البلاد العربية الأخرى.