د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

إيران بين الميدالية الفضية والذهبية

هنأ الرئيس الإيراني السيد حسن روحاني الشعب الإيراني بحصول الفريق الإيراني الأولمبي للمعاقين على 120 ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية، وذلك خلال مشاركة هذا الفريق في الألعاب الآسيوية في إنشيون بكوريا الجنوبية.
ومن المعروف أن الشعب الإيراني تواق ومحب للرياضة ولديه إحساس وطني وتفاعل كبير مع مثل هذه المناسبات، فهنيئا له هذه الإنجازات. غير أن هذه الفرحة ما لبثت أن اصطدمت بجدار الجرائم الشنيعة التي تعرضت لها بعض النساء والفتيات الإيرانيات من خلال رش مادة الأسيد عليهن من قبل مجهولين بحجة ما يطلق عليه في إيران «الحجاب السيئ»، وهو ما رفضه التيار الأصولي، معتبرا أن من قام بهذه الحوادث هو مدعوم من الخارج لإثارة البلبلة في الداخل.
وبين فرحة الشعب الإيراني بتلك الميداليات وغضبه من تلك الجرائم لا يزال الإيرانيون في انتظار ما ستسفر عنه أولمبيات أخرى، وما الذي ستناله إيران من ميداليات في هذا الماراثون.
نسير مع القارئ في هذا المقال لمعرفة هذه الأولمبيات واستشراف حظوظ إيران فيها. وقد يكون من باب الغرابة أن نقول إن إيران قد دخلت هذه الأولمبيات وهي بحوزتها الميدالية البرونزية. فكيف ذلك؟
بداية، تم التحضير لأولمبيات البرنامج النووي الإيراني بعد التوصل إلى اتفاق مبدئي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2013، وبدأت الانطلاقة في 20 يناير (كانون الثاني) 2014، حيث دخل النظام الإيراني متسلحا ببرنامج نووي حقق فيه التقدم فحال دون أن يعود الغرب إلى مطالبه السابقة. فلم يعد أحد يتحدث عن وقف تخصيب اليورانيوم وسار الحديث عن النسبة المسموح بها لإيران في عملية التخصيب.
من هذا المنطلق يمكن القول إن إيران باتت اليوم بين الميدالية الفضية والذهبية، أما الميدالية البرونزية فإنها تذهب لصالح فترة رئاسة أحمدي نجاد. تلك الفترة التي أبدى فيها النظام الإيراني الحزم ومضى في تخصيبه لليورانيوم حتى وصل إلى نسبة الـ20 في المائة.
انقضت رئاسة أحمدي نجاد وجاء الرئيس حسن روحاني وفريقه النووي لاستكمال مسيرة مباحثات امتدت إلى 10 سنوات، غير أن هذا الفريق لا يمضي وحيدا في هذا السباق، فهناك التيار الأصولي الذي يضغط بشدة لتحقيق الميدالية الذهبية وعدم الاكتفاء بالميدالية الفضية.
إذن بقيت كل من الميدالية الفضية والذهبية، فكيف هي ملامحهما في ماراثون البرنامج النووي الإيراني؟
لعل البعض يرى أن الميدالية الذهبية تتمثل في حصول إيران على السلاح النووي، وهذا أمر مخالف للواقع، فجميع العقوبات التي فرضت على إيران والتهديد العسكري لها جاءت للحيلولة دون حصولها على السلاح النووي، فمن غير المعقول بطبيعة الحال أن يسمح الغرب بعد كل ذلك بإعطاء مساحة للنظام الإيراني للحصول على هذا السلاح.
ولذا فيتجلى الفرق بين الميدالية الذهبية والفضية في هذا الماراثون في مسألة مدى ما يمكن أن تجنيه إيران في هذا الاتفاق، مقابل الحد الأدنى من التنازلات.
ويأتي التأكد من سلمية البرنامج النووي بوصفه خطا أحمر في مقابل الخطوط الإيرانية الحمراء. وبين هذا وتلك تستمر المفاوضات بين إيران و5+1 التي لم يتبقَّ على 24 نوفمبر سوى أيام للتوصل إلى حل شامل للبرنامج النووي الإيراني. فوفقا لمستجدات هذا الملف لا تزال المباحثات تدور حول قضايا من قبيل:
1 - عدد أجهزة الطرد المركزي. 2 - رفع العقوبات. 3 - مفاعل آراك. وغيرها على مستويات متفاوتة.
كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي أكد أن إيران لن تقبل توقيع أي اتفاق نهائي ما لم توقف جميع العقوبات الدولية المفروضة على بلاده. وقد شاطره الرأي رئيس لجنة الأمن والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي. هذان التصريحان وغيرهما جاءا ردا على كبيرة المفاوضين الأميركيين ويندي شيرمن التي صرحت بأنه إذا كانت إيران تريد حقا حل مشكلاتها مع المجتمع الدولي وتسهيل رفع العقوبات المفروضة عليها، فلن تجد فرصة أفضل من تلك المتاحة من الآن وحتى 24 نوفمبر.
فكيف يمكن أن تكون صورة الاتفاق في ظل هذه التصريحات التي تقف مصطفة بعضها في مواجهة بعض؟
إن صحة التقارير حول موافقة 5+1 على إبقاء أجهزة الطرد المركزي الإيرانية مع فصل السلاسل المتصلة تجعل النظام الإيراني في موقف يحفظ معه خطوطه الحمراء، فهو من جهة سيبقي على أجهزة الطرد المركزي ومن جهة أخرى يعطي لـ5+1 ضمانات بسلمية البرنامج النووي مع وجود واستمرارية رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أما في ما يتعلق بمسألة العقوبات المفروضة على إيران فإن الأمر يأخذ بعدين؛ الأول هو مسألة العقوبات الأحادية والعقوبات الدولية. أما البعد الثاني فهو مسألة رفع العقوبات أو تعليقها.
وحين ننظر إلى هذا الأمر بنوع من التحليل فإننا يمكننا القول إن إيران ظلت عبر سنوات طويلة متعايشة إلى حد كبير مع العقوبات الدولية واستمرت في برنامجها النووي رغم تلك العقوبات، إلا أن العقوبات الأحادية التي فرضتها الولايات المتحدة على القطاع النفطي والتحويلات المالية قد أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني.
من هذا المنطلق يمكن القول إن حل مسألة العقوبات الأحادية وتحديدا ما سبق ذكره يعتبر إنجازا جيدا لإيران في حال تم التوصل إليه مبدئيا في تاريخ 24 نوفمبر، ولكن تكمن الإشكالية الأخرى في مسألة «رفع» أم «تعليق» العقوبات، وهو أمر بالغ الأهمية لدى النظام الإيراني الذي يسعى إلى رفع العقوبات الأميركية وليس مجرد تعليق من قبل الإدارة الأميركية لها.
24 نوفمبر ليس نهاية المطاف، ومسألة التمديد أمر قائم، والوصول إلى اتفاق شامل وفق قيود معينة أمر قائم أيضا، وما لا يمكن تحقيقه هو الوصول إلى اتفاق نهائي تحل معه جميع الإشكاليات في ذات الوقت.
الميدالية الذهبية التي تسعى إيران لتحقيقها أمر لا يمكن التوصل إليه بين عشية وضحاها، فرفع العقوبات الأحادية والدولية يدخل ضمن إجراءات معقدة تحتاج إلى وقت، خصوصا إذا ما تم ربطها بالالتزام الإيراني وتتبع مدى سلمية البرنامج. وتتبقى الميدالية الفضية مغلفة بفرصة ذهبية قائمة ليتحقق معها انفراج سينعكس على الوضع المعيشي للشعب الإيراني، ويأتي دور النظام الإيراني وكذلك 5+1 للإيفاء بمتطلباتهم حتى يتم الوصول إلى اتفاق نهائي يضمن لإيران برنامجا نوويا سلميا لها كل الحق في الاحتفاظ به، وللعالم كل الحق في التأكد من سلميته.
نختم بسؤال وهو: هل نأخذ تصريح ويندي شيرمن على أنه فصل الخطاب في عدم تقديم مقترحات أخرى؟
فرصة اللحظات الأخيرة كانت قائمة على الدوام، فما المانع أن تطل برأسها عشية 24 نوفمبر؟