خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

أدب اليهود في الجاهلية

كان اليهود في العهد الجاهلي يشكلون قبائل لها مدنها وقلاعها وأسوارها. وبالطبع انعكس ذلك في أدبهم. كان لهم شعراؤهم وفنانوهم. وتميز شعرهم بالحكميات التي كثيراً ما أوحت بأنفاس التلمود والعهد القديم. يأتي في مقدمة شعرائهم السموأل (صموئيل) وهو ابن غريض بن عاديا الشهير بوفائه. ويقال إنهما كانا من أولاد هارون بن عمران. وكان مقامهما في الحصن المعروف بالأبلق بتيماء. وقد اشتهر السموأل بهذه الأبيات التي قال فيها:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
تعيرنا إنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
ما ضرنا إنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل

وله أخ هو الآخر من الشعراء المعروفين، وهو سعية بن غريض بن عاديا. ومن شعره قوله:

أرى الخلان لما قل مالي
وأجحفت النوائب ودعوني
فلما أن غنيت وعاد مالي
أراهم لا أبا لك راجعوني
وكان القوم خلاناً لمالي
وإخواناً لما خولت دوني
فلما مر مالي باعدوني
ولما عاد مالي عاودوني

وقد اشتهر السموأل بالوفاء فقالت العرب: «أوفى من السموأل ابن عاديا». وشاع هذا القول بعد قصة السموأل وامرئ القيس بن حجر الكندي. فعندما عزم امرؤ القيس على السير إلى القسطنطينية ليستنجد بقيصر لمساعدته في استرداد ملكه، أودع سيفه ودروعه وحاجياته عند السموأل لتبقى عنده حتى عودته. وسار امرؤ القيس مع صاحبه الحارث الأكبر. فكان أن راح الحارث يبكي لفراقه من بلده فقال امرؤ القيس هذا الشعر المشهور:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن إنا لاحقان بقيصرا
فقلت لا تبك عيناً فإننا نحاول
ملكاً أو نموت فنعذرا

بيد أن امرأ القيس مات في طريق عودته. وسعى القوم إلى استعادة أموال امرئ القيس من السموأل، فأبى. وكان ابنه خارج الحصن يتصيد. فمسكوه وهددوا السموأل بقتل ابنه إن لم يسلم لهم حاجات امرئ القيس. فأبى وقتلوا ابنه أمامه. وسلم السموأل كل شيء للورثة الشرعيين. وشاع عندئذ القول بوفاء السموأل.