حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

زمن أفريقيا وأوانها!

انطلقت سنة 2020 بشكل ساخن، وبات المتابعون لأحداثها وأخبارها يلهثون وهم يحاولون اللحاق بما يحصل. سنة الانطلاقة للعشرية الجديدة الثانية في الألفية الثالثة.
العشرية الأولى شهدت ولادة غول الهاتف الذكي، الذي كان المنصة المثالية لإطلاق وتفجير ثورة الإعلام الجديد والتبعات التي لا نزال نحياها. ولكن العشرية الجديدة قد يكون لها «ميول» جغرافية، وهناك دلائل ومؤشرات هائلة وعظيمة لا يمكن إغفالها ولا إنكارها ولا الاستهانة بها، وهي أن الحقبة القادمة هي أفريقية بامتياز.
عدت منذ أيام قليلة من زيارة إلى جنوب أفريقيا، أهم وأكبر اقتصاديات القارة السمراء. بلد معجزة مانديلا، الرجل العظيم الذي ترك خلفه إرثاً سياسياً وإنسانياً من أهم ما عرف في العصر الحديث، وانعكس ذلك بشكل إيجابي على خريطة الاستقرار السياسي والاستثمار الاقتصادي أيضاً، وأصبح للقارة نموذج ديمقراطي في السياسة، وليبرالي في الاقتصاد، من الداخل الأفريقي نفسه، قدوة لغيره من البلاد، مع العمل الدؤوب على الحفاظ على استقلال القضاء وحرية الإعلام كركيزتين للعمل المؤسساتي والفصل بين السلطات.
جنوب أفريقيا هي أيضاً البلد الذي أنجب الروائي الفذ آلان باتون صاحب الروايتين العظيمتين «ابكِ أيها البلد العظيم» و«آه... ولكن بلادكم جميلة»، وهو الذي كتب ضد نظام الأبارتايد العنصري الجائر الظالم، وكانت كلماته الملهمة من مصادر الدستور الجديد للبلاد. وكذلك هي بلد العملاق الأديب جي إم كوتزي، الفائز بجائزتي بوكر ونوبل للآداب، الذي كانت أعماله ملهمة للإصلاح السياسي والاجتماعي.
اليوم هناك نجوم تتلألأ في القارة الأفريقية وتكون مغناطيساً جاذباً للاستقرار والاستثمار، ولعل ما يحصل في إثيوبيا شاهد ودليل على ذلك، وهي التي تمارس دوراً مهماً في السلام الإقليمي، نال بسببها قائدها جائزة نوبل للسلام العام الماضي. واليوم ها هو يجذب استثمارات هائلة من الصين واليابان وإسرائيل.
وهناك غانا التي وُصفت العقد الماضي بأنها النمر الأفريقي القادم. وطبعاً هناك دول أخرى مؤهلة للنجاح ذاته، ولكن تبقى الدولة الأكثر إثارة للدهشة في القارة السمراء هي رواندا، فهي تمثل قصة التحول الحلم من دولة شهدت إحدى أبشع الحروب الأهلية وأكثرها دموية إلى دولة مستقرة وذات نمو اقتصادي مبهر، ودرجات من الاستحقاق التعليمي الخارق، والالتزام بالمعايير البيئية بشكل يتطابق مع الدول الصناعية المتقدمة.
أفريقيا هي نكهة العالم القادمة، ولا عجب أنها مصنفة لدى الكثير من مكاتب الدراسات والاستشارات بأنها المنطقة الأكثر وعوداً للاستثمارات المالية.
إنه زمن أفريقيا التي طال انتظارها وهي حقبتها بلا استعمار.