مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

عندما تقطع السكين قالب الزبدة

بقدر ما ارتعبت فأنا أيضاً استمتعت بقراءتي لمقابلة مع راهبة اسمها غيرارد قضت أغلب سنوات حياتها متنقلةً بين السجون، وسوف أقتطع لكم بعض ما جاء في ذلك اللقاء، وهي تقول:
«إن السجين أو السجينة التي تواجه عقوبة الإعدام تحتاج إلى دعم ذهني وعاطفي وروحي، وأريد مساعدتها بجعلها تفهم أنه عندما تتوب وتطلب المغفرة ستذهب إلى مكان أفضل».
وتابعت قائلة: «لقد قال لي أحدهم وهو ذاهب إلى المشنقة، إنني ذاهب للقاء الرب وسأخبره يا سيدتي كم أنت لطيفة».
وقال متحدث باسم إدارة السجون إن «الأخت غيرارد متطوعة معنا لتقديم الدعم للسجناء منذ 40 عاماً، وهي متفانية في عملها وشغوفة به، ومضحية وملهمة لنا جميعاً ولكل من يمنح وقته وجهده لدعم السجناء وأسرهم» – انتهى.
وهي ذكّرتني بتجربة أو موقف مررت به شخصياً، ولكي لا يشطح بكم الخيال وتعتقدون أنني خريج سجون، لا سمح الله، فلم أرتكب بعد أي جريمة يعاقب عليها القانون، كما أنني لم أقتل بعد أي إنسان حتى يقام عليَّ الحد، غير أن تجربتي تلك الله لا يعيدها ما زالت تقض مضجعي وراسخة في ذاكرتي، وخلاصتها:
أنني قبل سنوات في مدينة الطائف دعاني أحدهم لتناول الغداء في منزله، ووصلت متأخراً كالعادة، وأقعدوني بجانب رجل ضخم وداكن اللون وتبدو على ملامحه علامات التجهم، فلم أعره في البداية أهمية، حتى لاحظت أن الجميع يوجهون إليه الكلام والأسئلة.
وفزعت عندما انتبهت من سياق كلامهم إلى أن مهنة الرجل هي: إقامة الحد الشرعي على كل من اقترف جريمة القتل. لا أكذب عليكم أن مفاصلي جميعها ارتعدت عندما عرفت ذلك.
فسأله أحدهم: ما شعورك عندما تنفّذ الحد بسيفك، وما الرقبة التي تلائمك؟!
فأجابه بصوته الغليظ قائلاً:
الحمد لله أنني أنفّذ حكم الشرع، ولكنني لا أستسيغ الرقبة الغليظة، ولا الرقبة الغائصة بين الكتفين، وتوقف قليلاً ثم التفت إليّ قائلاً: أرجوك، أبعد شماغك عن رقبتك وارفع رأسك إلى الأعلى، فامتثلت لطلبه من شدّة الخوف، وفوجئت به يطبطب على رقبتي قائلاً: مثل هذه الرقبة النحيفة هي التي تلائمني، لأن السيف يقطعها بسهولة، مثلما تقطع السكين قالب الزبدة.
وعندما جلسنا على سفرة الأكل، أول ما تناوله الرجل هو رأس الخروف، واقتطع اللسان من لغاليغه ورماه في صحني قائلاً لي بالأمر: كل كل ولا تستحي. فتحاولت عيناي، ومن يومها حتى الآن أصبحت لا أستسيغ تناول اللحم.