جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

عام جديد... عقد ثالث

عام 2019 غادرنا غير آسف، ونحن ودعناه بتلويحة سريعة أخيرة، والتفتنا فرحين مستبشرين لاستقبال عام 2020، بأمل أن يكون أفضل من سابقه؛ لندعُ الله القدير أن يكون العام الجديد عاماً ملؤه التراحم والسلام على الأرض.
عام 2020، في الوقت نفسه، هو بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؛ أي أننا بوداع عام 2019 دخلنا، في آن معاً، عاماً جديداً وعقداً زمنياً جديداً.
ولأن الندم سمة من سمات كثيرة تميز الكائن البشري عن غيره من الكائنات، فإن كثيرين منّا، في نهاية العام، يتمنون لو أن الله حباهم بعقول مثل أجهزة الحاسوب، ليكون بإمكانهم بضغطة واحدة محو كثير من الأفعال أو الأقوال، سواء التي ارتكبوها في حق أنفسهم أو في حق غيرهم.
العقد الجديد هو إعلان عن دخول القرن الحادي والعشرين مرحلة الشباب، عقب انقضاء سنوات المراهقة الصعبة. وهذا بدوره يعني أن عالمنا ازداد قِدماً، وازددنا نحن البشر تجربة وخبرة، وعلينا الآن الاستفادة من تلك التجربة والخبرة في التعامل مع الشاب الجديد الذي حل بيننا نافخاً صدره، مفتخراً بفتوة شبابه.
العقد الثاني المنصرم - على الإجمال - لم يكن سهلاً علينا ولا حليماً بنا، كما توقعنا وأملنا، لأنه منذ حلوله، جاءنا - نحن العرب - بالبشارة، أي بزهو الربيع العربي، وفتح في قلوبنا أبواباً ومسارب جديدة للأمل بحياة أفضل، في أوطان تحبنا ونحميها. لكنه سرعان ما قلب لنا ظهر المجن، وأحال ضوء ودفء ربيعنا إلى ظلام حالك، وبلداننا إلى ساحات احتراب، ومدننا إلى ملاجئ تمتلئ بالنازحين والمشردين.
الأزمة في سوريا تعدت طور المحلية منذ فترة، وصارت أزمة دولية. وها هي الأزمة في ليبيا تسير حالياً على النسق نفسه، وبالخطوات نفسها، في اتجاه التدويل. والعراق صار برميل بارود وغضب ضد الفساد وإيران. ولبنان دخل نفق أزمة جديدة للتخلص من نظام طائفي عقيم. والسودان نجا بجلده، وتمكن من تفادي الدخول في حرب أهلية. وفي الجزائر نار الغليان تحت السطح تزداد ضراوة. ودخلت تونس بقدميها وبعينين مفتوحتين في دهاليز أزمة سياسية خانقة...
من جهة أخرى، فإن العقد المنصرم كان عقداً زمنياً متميزاً بانكسار وهزيمة حركتين متطرفتين، هما: «القاعدة» و«داعش»، الأمر الذي يمهد الأرض أمام الإسلام الوسطي للعودة إلى استعادة ما خسره من مواقع، والتمدد على الأرض، وفي العقول والقلوب.
ودولياً، انبثقت الحركات الشعبوية في أوروبا، وتمددت بسرعة معتلية ظهور المهاجرين، متجهة تحت رايات وشعارات مختلفة صوب النخب الحاكمة للإطاحة بها. وتلقت بروكسل ضربة موجعة بقرار بريطانيا - مؤخراً - الخروج من الاتحاد الأوروبي في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) 2020. وبرزت في فرنسا حركة «السترات الصفر» الاحتجاجية التخريبية. وفي واشنطن، دخلت لعبة الكراسي في طور متقدم. وقبل انتهاء العام، كان ملف اتهام الرئيس ترمب قد خرج من أروقة مجلس النواب، ووصل إلى أروقة مجلس الشيوخ. أضف إلى ذلك: الحرب التجارية بين أميركا والصين؛ واستحواذ الحركة الهندوسية في الهند على مقاليد الأمور، وسعيها لتضييق الخناق على المسلمين الهنود، وتحويل الهند من دولة متعددة الديانات والثقافات إلى دولة هندوسية؛ وأستراليا تلتهمها النيران.
لنحاول غض الطرف عن تلك الانتكاسات، أو لنحاول أن ننزع عن عيوننا ما اعتراها من غشاوات، ولننظر بشيء من الروية نحو الوجه الآخر للعقد المنصرم، وما أنجزته البشرية من تطور في أغلب مسارات الحياة: على سبيل المثال، ما تحقق خلال العقد الأخير على مستوى التقدم الطبي، والنجاحات التي أنجزت، خاصة فيما يتعلق بعلاج مختلف أنواع أمراض السرطان، أو غيرها من الأمراض المستعصية. وماذا عن إنجازات العلم الطبية في مجال زراعة الأعضاء؟ وماذا عما تحقق من نجاح في استئصال وباء ضعف المناعة المكتسبة (الإيدز)؟
ولننظر أيضاً إلى ما تم إنجازه من ثورة في عالم تقنية الاتصالات، وما أحدثته الإنترنت من تقدم مدهش يجعل المرء منا يشعر وهو جالس أمام جهاز حاسوبه أن العالم بين يديه بضغط أزرار صغيرة، وعلماء الفضاء في الصين الذين نجحوا في إرسال مركبة فضائية إلى الوجه المظلم للقمر، ونجاح العلماء الأميركان في توصيل مركبة فضائية إلى كوكب المريخ.
لننظر كذلك إلى ما تم إنجازه على مستوى السياسة الدولية: من كان يصدق أن يأتي يوم يرى العالم فيه رجلاً أسود البشرة، اسمه باراك أوباما، يجلس في المكتب البيضاوي، في البيت الأبيض بواشنطن، عاصمة الولايات المتحدة، أقوى دولة في العالم عسكرياً واقتصادياً.
مساحة الديمقراطية تمددت هي الأخرى بشكل كبير، وطالت بلداناً كانت لعقود طويلة في قبضة الانغلاق. ولننظر إلى ما حدث من تطور في حقوق الإنسان في العالم، وفي تقريب فجوة الفروق في المساواة بين الرجل والمرأة، وتحسين ظروف العمل لملايين العاملين. ومن ينكر حقيقة ما لحق بالثقافة، والفن عموماً، من اهتمام وتقدم، سواء على المستوى العالمي أو على المستوى العربي، وتمكن كاتب عربي (هشام جاب الله مطر) من الحصول على جائزة «البوليتزر» العالمية لأول مرة، وبجدارة.