حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الخليجيون وجينات الثورة

الدكتورة عبير كايد الأكاديمية الفلسطينية تعلن عن اكتشاف جيني مذهل قد تحصل بسببه على جائزة نوبل في العلوم. خلاصة هذا الاكتشاف، الذي أفصحت عنه مؤخراً لفضائية «ثائرة»، أن الخليجيين، خلاف غيرهم من البشر، تنعدم فيهم جينات الثورة. وتؤكد هذه الأكاديمية الثائرة في معرض اكتشافاتها التحليلية العميقة، أن النفط نقمة على الخليجيين وليس نعمة، لإن النفط أصاب هذه الشعوب بالكسل والبلادة، فمهما ثارت الثورات من حولهم، فهم خامدون ومهما تحركت الشعوب الأخرى ضد حكامها في مظاهرات واحتجاجات ومسيرات فهم هامدون.
فَجَعَ هذه الأكاديمية «الغيورة» أن الدول الخليجية مستقرة ومزدهرة فلا قلاقل ولا إحن ولا محن ولا فتن، أثبتت نتائج تأملاتها أن استقرار الدول الخليجية هو بسبب بلادتهم، وأن التناغم بين الحاكم والمحكوم مصدره كسلهم، وأن الطفرات التنموية في دولهم سببها حرمانهم من جينات الثورة (!!)، وأن رخاء العيش عندهم وضع مَرَضي جالب لجراثيم «التنبلة»، ونفهم من منطوق كلامها أن الشعوب الخليجية لن تكون شعوباً طبيعية مثل باقي شعوب العالم حتى ينْفُضُوا عن جيناتهم غبار الخمود والخمول ليثوروا على أمنهم المستقر، ويتظاهروا ضد ازدهارهم المستمر، ويُسيِّروا مسيراتهم ضد اقتصادهم المتنامي، ويحتجوا ضد رغد عيشهم الذي هوى بهم في مراتع الكسل.
نفهم من كلام الدكتورة عبير أن الشعوب الخليجية ستُمسي شعوباً طبيعية إذا جرَّتِ البلاد والعباد إلى منزلق الثورات ولهيب الحراكات، وحين يثبت الخليجيون قدرتهم على إشعال نيران الاحتراب الداخلي ودمار البنى التحتية والفوقية، ستعترف هذه الأكاديمية «الحريصة» بأن شعوب الخليج أضحت شعوباً بجينات سليمة حين تشتعل الثورات في دولها فتهلك الحرث والنسل، وبعض العباد يحبون الفساد. ستفرح هذه الأكاديمية «النصوح» بثورية الخليجيين حين تتشظى شعوبهم الى ميليشيات عسكرية دموية وأحزاب متناحرة كل حزب بما لديهم فرحون، وستستنشق عبير عبيرَ الفرحة حين ترى شعوب الخليج تحولوا إلى كائنات ثورية تهاجر بلدانها بمئات الألوف حفاة عراة ينهشهم العطش وينهكهم الجوع بعد أن تمددت الثورة وأمست ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم.
وستبارك هذه الأكاديمية الثورية ثورة شعوب الخليج حين ترقب تدخلات عدد من الدول الكبرى في الخليج للفوز بكعكة النفط التي، كما تقول الدكتورة عبير، حولت الشعوب الخليجية إلى شعوب كسلانة، ولن تخفي فرحتها وهي ترقب أفراخ «داعش» و»القاعدة» وأحزاب الإرهاب وخلاياها النائمة والمستيقظة وهم يتقاطرون على دول الخليج لسكب النار على الثورة وثوارها.
أيها الثائرون والثائرات الذين يهيمون بالثورات ويعشقون الحراكات، الشعوب الخليجية أخذت العبرة من الثورات العربية المدمرة، وفهمت درس الثورات ولا تريدها، ولا تطيقها، ولا تعترف بها طريقاً للإصلاح، فلديها من السبل والطرق والأزقة لتحقيق الإصلاحات بالتفاهم والتناغم بين الحاكم والمحكوم ما يوصل للهدف ويحقق الغاية ويجنبها ويلات الثورات وثبور الحراكات .