وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

عودة النصف مليون برميل الغائب

في البداية، لا يزال غالبية الناس يطلقون على المنطقة الحدودية بين السعودية والكويت اسم المنطقة المحايدة بدلاً من التسمية الرسمية والقانونية لها حالياً وهي المنطقة المقسومة، ولعل السبب في ذلك مرتبط في ذهن الناس بطبيعة المنطقة إذ أن أي منطقة مشتركة بين دولتين لا بد أن تكون محايدة حتى وإن تم تقسيمها.
هذه المنطقة من أكثر المناطق المعقدة في كل المناطق المنتجة للنفط في الخليج العربي لأنها منطقة جغرافية تتبع لدولتين وتم تقسيمها بشكل يسمح لكل دولة بممارسة حقوقها السيادية مع تناصف الثروة الهيدروكربونية فيها... وحتى نفهم ما حدث في هذه المنطقة من أحداث خلال السنوات الأربع الماضية أدت إلى توقف الإنتاج بالكامل منها، علينا أن نفهم بعض التاريخ.
في عشرينات القرن الماضي تم الاتفاق بين السعودية والكويت على إنشاء منطقة محايدة بينهما بمساحة فوق الخمسة آلاف كيلومتر مربع تسمح للبدو في الجانبين بالرعي فيها. وفي عام 1960 اتفق البلدان على ضرورة تقسيم هذه المنطقة وترسيم الحدود فيها، ووقع الطرفان اتفاقية التقسيم في 1965، ولكنها دخلت حيز التنفيذ في العام الذي يليه.
وبعد أن تم اكتشاف النفط في المنطقة في الثلاثينات، بدأت الشركات الأجنبية في الاهتمام بالبحث عنه في المنطقة المحايدة، وفي الفترة بين 1948 و1949 منحت الدولتان امتيازات للتنقيب والتطوير لشركات أجنبية. وحصلت شركة جيتي أويل التي أسسها المليونير الأميركي جان بول جيتي، على امتياز المنطقة المحايدة من السعودية في 1949 لمدة 60 عاماً والذي كلفه حينها 30 مليون دولار. ولكن هذه الملايين عادت عليه فيما بعد بمليارات الدولارات عندما تم اكتشاف النفط هناك في عام 1953 وبدأت شركته في إنتاج 16 مليون برميل في السنة منها. ودخل جيتي عالم المليارديرات بعد ذلك. وفي 1957 اعتبرته مجلة فورتشن أغنى رجل في أميركا والملياردير الوحيد بها.
وفي نفس ذلك العام 1957. منحت السعودية امتيازاً لشركة الزيت العربية المملوكة من قبل اليابان لإدارة الجزء البحري (المنطقة المغمورة) من المنطقة المقسومة، وفي 1958 منحت الكويت الامتياز لنفس الشركة في نفس المنطقة. وانتهى الامتياز في عام 2000 ولم يبدِ أي من الجانبين رغبة في تجديد الامتياز.
وعندما بدأت المنطقة بتأميم شركات النفط، قررت الكويت عدم السماح لأي شركة أجنبية أن تنتج النفط بها مباشرة وانتهت الامتيازات. ولكن السعودية لم تنه امتياز جيتي، وظلت جيتي تنتج النفط في المنطقة البرية حتى اشترتها تكساكو في عام 1984. ثم اندمجت تكساكو مع شيفرون في عام 2001. وهنا دخلت شيفرون في الصورة. وإلى اليوم لا تزال هناك بعض اللوحات في منطقة الوفرة تحمل اسم وعلامة تكساكو لتبقى شاهدة على وجود هذه الشركة العريقة هناك.
المهم انتهى الامتياز الذي تحمله شيفرون في عام 2009. وتم تجديده من طرف السعودية إلى 2039. وفي البداية كانت الأمور تسير بشكل طبيعي رغم أن الكويت اعترضت في الفترة بين 2003 و2005 على وجود شيفرون في الزور (ميناء سعود) نظراً لرغبة الكويت في بناء مصفاة ضخمة في منطقة الزور. وتم حل هذا الأمر بواسطة سعودية إلى عام 2014 عندما بدأت الأمور تأخذ منحى مختلفا، حيث لم تمنح الكويت تراخيص للعمالة والمعدات لشيفرون لتوقف الشركة الإنتاج في مايو (أيار) 2015. وكان قد سبق ذلك بأشهر إيقاف الإنتاج في الخفجي لأسباب بيئية. وتوقف ضخ 500 ألف برميل إلى السوق العالمية (300 ألف من الخفجي و200 ألف من الوفرة).
وظلت الأمور على ما هي عليه حتى الثلاثاء 24 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، عندما وقع وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان مع الجانب الكويتي مذكرة تفاهم واتفاقية أخرى مرتبطة بالمنطقة المقسومة. ولم يتم الإفصاح عن الكثير من التفاصيل، إلا أن الإعلام الكويتي نقل العديد من التفاصيل، ومن بينها أن شيفرون ستنقل مكاتبها من الزور (ميناء سعود) على أن يتم تقييم أصول شيفرون هناك من قبل طرف ثالث وتعويضها خلال خمس سنوات.
وبهذا عادت الزور بالكامل إلى الكويت وأصبح لها سيادة كاملة على المنطقة الشمالية من المنطقة المقسومة والتي يوجد بها حقل الوفرة. ولم يتغير شيء في إدارة الخفجي من الطرفين على ما يبدو، إلا أن شيفرون أصبح لديها امتياز لفترة أطول حتى 2046 وأصبحت الآن تدير ستة أميال بحرية من المنطقة المغمورة، فيما تدير أرامكو من خلال أرامكو لأعمال الخليج ما خارج الستة أميال بحرية.
هذا الاتفاق معناه عودة شيفرون بصورة أقوى من الماضي وإدارتها للحقول البرية في الوفرة والبحرية في الخفجي. ولكن لا يبدو واضحاً أن الكويت سوف تعوض شيفرون على توقف الإنتاج خلال السنوات الخمس الماضية.
كل هذه التفاصيل لا تبدو مهمة لنا بقدر ما يهم أن الجميع توافق وبدأ ينظر بصورة إيجابية نحو العمل المشترك، خاصة أن الجميع بحاجة لتقنيات حقن البخار لشركة شيفرون لزيادة إنتاج حقل الوفرة بنحو 100 ألف برميل يوميا إضافية، ليصل إلى 300 ألف برميل يومياً. هذا المشروع الذي بدأته شيفرون منذ سنوات انتهى مع تجميد الوفرة وعادت شيفرون تقريباً إلى نقطة البداية مما يعني تأخر المشروع لسنوات.
وهناك رغبة باستعجال استئناف الإنتاج وبحسب تصريحات لوزير الطاقة السعودي فإن المنطقة المقسومة قد تنتج 320 ألف برميل يومياً قبل نهاية العام القادم. والأهم من هذا هو الاستعجال بتطوير حقل الدرة والذي تشترك في حدوده البحرية كل من السعودية والكويت مع إيران. تطوير هذا الحقل فائدته كبيرة على الاقتصاد الكويتي والسعودي نظراً للكميات الكبيرة المتوقعة منه والتي ستساهم في زيادة الأنشطة الصناعية في الكويت، وله فائدة بيئية أكبر من خلال تقليل حرق السوائل لإنتاج الكهرباء في البلدين.
لقد كان يوم الثلاثاء صفحة جديدة في التاريخ النفطي بين البلدين، وشهادة للعالم على قدرتهما في احتواء الاختلافات. وأتمنى أن ينظر الجميع في الكويت إلى الجوانب الإيجابية من الاتفاق ويتناسون توقف الإنتاج خلال الأعوام الماضية، فما يهم هو استمرار التعاون في المستقبل.