د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

قمة كوالالمبور وأجندات الضرر

اجتماع كوالالمبور هو حقيقة تغريد خارج السرب، ولا يمكن تفسيره بعيداً عن أجندات تضر بالتعاون والعمل الإسلامي المشترك. فالتعاون بين الدول الإسلامية كان طيلة الخمسين عاماً الماضية تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي التي ورثت المؤتمر الإسلامي. ومنظمة المؤتمر الإسلامي تمثل واجهة العمل الإسلامي المشترك، وليس المحاور السياسية، ولهذا سعى أصحاب المحاور والاصطفافات السياسية إلى محاولة الانقلاب عليها في كوالالمبور.
اجتماع كوالالمبور، الذي تتزعمه دول محور الشر والتآمر إيران وتركيا وقطر، لا يمكن أن يكون في هدفه وأجندته إلا شق صف المسلمين.
«لا ضرر ولا ضرار» قاعدة إسلامية لا يمكن القفز عليها في أي عمل يحمل شعار الإسلام والمسلمين. والاجتماع الذي ضم مهاتير وإردوغان وروحاني في كوالالمبور كان من دون ترتيب أو تنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي، التي تمثل الدول الإسلامية بعضوية 57 دولة.
اجتماع كوالالمبور قرر الغياب عنه رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من خلال إلغاء مشاركته في الاجتماع، وبالمثل فعل الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، الذي اعتذر عن عدم المشاركة في هذا الاجتماع المشبوه الذي يقوده مهاتير وإردوغان بتمويل قطري، في مساعٍ لشق العالم الإسلامي، وخلق كيان موازٍ لمنظمة التعاون الإسلامي. فالعمل خارج منظمة التعاون الإسلامي يعد شقاً لصف المسلمين، وعملاً لا مبرر له، وخاصة أن منظمة التعاون الإسلامي، لم تمنع أي موضوع من النقاش تقدمت به أي دولة عضو في المنظمة، وبالتالي فأي اجتماعات خارجها لا يمكن القبول بها، أياً كانت المبررات.
وقد ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية وجهة نظر المملكة، التي تجسدت في اتصال هاتفي جرى بين مهاتير محمد والملك سلمان بن عبد العزيز، حيث أكد الملك سلمان «أهمية العمل الإسلامي المشترك من خلال منظمة التعاون الإسلامي، بما يحقق وحدة الصف». وهذا ما تجاهله اجتماع كوالالمبور؛ أن قبلة المسلمين هي في مكة، وليس كوالالمبور. وهذا يؤكد أنهم فقدوا بوصلة الاتجاه، وأضلوا الطريق والصواب، بالإعداد والمشاركة في اجتماع تفكيك صفوف الأمة الإسلامية.
ولهذا تعد دعوة رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد هي لتحقيق الطموح الخاص به إلى دور قيادي أكبر له في العالم الإسلامي، وإن كان حتماً سوف يصطدم بأحلام إردوغان ومطامعه في محاولته اليائسة للهيمنة على الدول الإسلامية. وإن كانت رؤية وآلية الرجلين تختلف تماماً لتحقيق هدفيهما، فإنهما وجدا في النظام القطري خير ممول لمثل هذه الطموحات الشخصية التي لن تخدم العالم الإسلامي، رغم تصريح مهاتير محمد في افتتاح اجتماع كوالالمبور بأنه «لا يريد الحديث عن الدين، ولكن عن شؤون المسلمين في العالم الإسلامي، وذلك في ظل المآسي والأزمات التي تعيشها الأمة الإسلامية».
كما أن اجتماع كوالالمبور هو محاولة لفك عزلة قطر السياسية والاقتصادية، ومحاولة لإعادة تدوير تنظيم جماعة الإخوان، بحضور قيادات إخوانية من الجزائر والسودان وموريتانيا وتركيا وقطر، وخاصة أن راعيي الاجتماع الرئيسيْن تركيا وقطر هما أشد الداعمين للتنظيم الإخواني، ولهذا صدحت وثمّنت جماعة الإخوان الإرهابية لقاء كوالالمبور بأنه «خطوة تاريخية كبرى».
اجتماع كوالالمبور انفض، ولا أظنه حقق شيئاً سوى فضح الأجندات المضرة بالتعاون والعمل الإسلامي المشترك، وأصحابها الذين قرروا التغريد خارج سرب منظمة التعاون الإسلامي؛ ولن يفلحوا.