د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

وَخز الضمير

ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس هو أيضاً تعريف لارتكاب «ذنب» تعارض المصالح. هذا المفهوم لا يستوعبه الفرد إلا بعد دخوله في معترك العمل، وذلك حينما يرى بأم عينيه كيف يتخذ مديره قراراً «غريباً» لا يصب في مصلحة العمل وإنما في تنفيع شركته الخاصة أو أحد أقربائه، كأن يُرسي عليهم مناقصة يراها صغيرة لكنها تمثل تعارضاً صارخاً بين مصالحه ومصالح الجهة التي يعمل بها.
البعض يلجأ لحيلة أخرى لتنفيع نفسه كأن يغيب عن اجتماع يضم أحد بنوده إقرار تعاون تجاري يفيده شخصياً على حساب البحث عن بدائل أفضل للمؤسسة التي يعمل فيها. وكأنه لم يشارك فيما تم إقراره. ربما تسير الأمور على ما يرام لكن المشكلة تبرز حينما تخفق شركته أو شركة إخوته فيما أسند إليها من مهام. هنا يقع الفأس بالرأس كما يقال. ويدخل الجميع في دوامة نزاع إداري عقيم. ولذا نصت اللوائح على تجنب تعارض المصالح.
وفي الواقع، فإن الشركات الكبرى أو المدرجة في سوق الأوراق المالية (البورصة) والجهات الحكومية أكثر حساسية لتعارض المصالح، مقارنة بالشركات الفردية أو المتناهية في الصغر. فالمنظمات الكبرى لديها جهات رقابية تراقبها، ولذا تصدر البلدان قوانين خاصة لتنظيم ذلك. وبعد انتظار طويل، صدر لدينا في الكويت، مؤخراً، قانون خاص لتعارض المصالح، لكن تشوبه مشكلة قانونية تنظر فيها المحاكم.
وكحل للخروج من معضلة تعارض المصالح، يلجأ مجلس الإدارة إلى إخطار المساهمين في الجمعية العمومية (العامة) بوجود تعارض مؤقت فيحصل على موافقة الأعضاء. هنا يحصن المستفيد نفسه، غير أنه بطبيعة الحال قلما يسلم من وابل النقد فور ما يخفق في عمله.
مشكلة تعارض المصالح أنها تأتي أحياناً بصورة رمادية غامضة ينقسم حولها الناس؛ فمنها مثلاً ما لا يعتبر جريمة بحكم القانون المحلي لكنها تعد تجاوزاً أخلاقياً. والأخلاق مسألة نسبية، فما تراه مقبولاً فئة من الناس ربما لا تشاطرها ذلك فئة أخرى، مثل أن يظن مسؤول بأنه حريص على مصلحة عمله، وهو صادق في ذلك، فيقدم عرضاً زهيداً في سبيل إتمام العمل على أكمل وجه، غير أنه يقع في تلك المنطقة الرمادية التي لا يسلم من سهام نقدها أحد.
وصور تعارض المصالح عديدة، مثل محاباة الأقارب nepotism، أو تمجيد مسؤولين للحصول على فتات ما يرمونه إليهم من منافع مادية، أو الاستفادة من معلومات داخلية في شركة مدرجة للتكسب المادي بشراء أسهمها في سوق الأوراق تحسباً لارتفاع مرتقب لسعر السهم.
وحينما كنا نبيع مصانع في البلدان المتقدمة أجبرنا الطرف المشتري على توقيع عقد عدم منافسة مستقبلية، وهي ما تسمى بعقود non - compete، الأمر الذي يمنعنا من فتح مصانع مشابهة في المنطقة نفسها لمدة زمنية معينة على اعتبار امتلاكنا لقاعدة بيانات وخبرة قديمة في هذه المنطقة أو تلك الصناعة قد تضر الطرف المشتري.
وأذكر أنني قد قرأت فقرة دائمة في مجلة «المجلة» أيام رئاسة تحرير الأستاذ عبد الرحمن الراشد ذكر فيها ما معناه أنها ترفض تقديم أي صورة من صور المكافآت النقدية لمحرريها حول العالم. وهي سياسة «سد باب الذرائع» لتعارض المصالح.
قد يكون تعارض المصالح ارتكاب «فعل تنفيعي» شخصي يعاقب عليه القانون، وقد يعتبر في حالات أخرى مجرد تصرف غير أخلاقي، غير أنه في الواقع كل شعور «بوخز الضمير» ينتاب الفرد عندما يحاول تنفيع نفسه على حساب مصالح عمله أو أمته.