حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الحضارة الرقمية الجديدة

هناك سؤال وجب طرحه -على الرغم من كون الإجابة عنه باتت واضحة للغاية- والسؤال هو: هل وصلت البشرية إلى حقبة صعود حضارة مختلفة وجديدة تماماً، بحيث تكون التقنيات الرقمية هي المكون الرئيس والنخاع الشوكي، وبالتالي سبباً مباشراً للتبدل العميق فكرياً وثقافياً فيها، وتطلق عصراً غير مسبوق تصبح فيه المعلومات الرقمية عصب كل شيء ومكونه الأساسي، وعليه تتحكم في كل ما يحصل معنا؟
الموضوع عميق ومهم ويتخطى الاحتفاء بوصول شركات رقمية إلى مستويات غير مسبوقة من ناحية قيمتها السوقية، فتصل إلى التريليون دولار مثلما حصل مع «آبل» و«أمازون» و«غوغل». ولكن اليوم هذا العالم الرقمي أصبح المؤثر الأهم والأخطر على البشر بسلبياته وإيجابياته. التقنية الرقمية هي التي «زلزلت» عالم التسوق التقليدي وسحبت البساط من تحت أقدام قطاع التجزئة عن طريق التجارة الإلكترونية، وهي أيضاً التي تزلزل القطاع المصرفي بالعملات الرقمية، وهي التي تدمر القطاع الإعلامي التقليدي بمنصات عديدة ومختلفة. ولكنها أيضاً هي المسؤولة عن «سلسلة» من الاختراقات المثيرة.
فالأثر الروسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بالولايات المتحدة و«التدخل» الرقمي في موقع «فيسبوك» تحديداً لم يعد سراً أبداً، ولا الكم الهائل من الهجمات «السيبرانية» على المنشآت البنكية وحسابات العملاء وتسريبها، وكذلك الاعتداء على بيانات أهم الحسابات التجارية لكبرى الشركات. هذا كله والذكاء الصناعي «المتوفر» لا يتم استخدامه إلا بحدود عشرة في المائة فقط من قدراته، وبالتالي مطلوب التمعن جيداً ودراسة «الانتقال» الحاصل، لأن العالم يمر في مرحلة بناء مفاهيم جديدة تماماً تلائم التغيرات التقنية الكبرى الحاصلة، وسيكون بالتالي من المتوقع تأسيس قيم وقواعد جديدة ومختلفة تماماً على الشقين الفردي والجماعي.
وهذا سيشكّل حالة استعداد ذهني وقانوني لما هو آت، كما وصفه ألون ماسك مؤسس شركة «تسلا». الكل يتوقع قدوم حقبة «التوحش الرقمي»، وهذا النوع من النبوءات والتوقعات عما ستؤول إليه «الرقمنة» في المستقبل سيكون مرتبطاً بالتطور في عالم الخوارزميات من جهة وعلوم أخرى كالفيزياء والإلكترونيات من جهة أخرى. كل ذلك سيكون غايته تشكيل «المواطن الرقمي» وبناء «المواطنة الرقمية» والتي سيكون لها شروط على حساب «السيادة الوطنية» التقليدية.
شبكة الإنترنت هي البنية الأساسية لمسار العولمة اليوم، ينظر العالم إلى «قطع» الإنترنت في أي بلد كأنه إيقاف الأكسجين والكهرباء والماء عن الناس، حق مسلوب بالقوة القهرية. هناك فجوات لا بد من التعامل معها على الطريق، فجوات معرفية في العلوم والتقنية، فجوات رقمية في القانون والبنى التحتية المطلوبة. الفضاء المفتوح هو أيضاً مجال خطير للإرهاب وتجنيد عناصره ونشر أفكاره المتطرفة والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والجرائم الأخلاقية، وهذا سيكون التحدي القانوني الأهم في الحفاظ على التوازن المطلوب بين فتح مجال العالم الرقمي وإغلاقه في وجه من يسيئون استغلاله. سينجح من يستطيع التعامل مع التقنية على أنها عنصر مجدد لأصل المهنة التي يعمل بها ويستغلها على هذا الأساس. الحضارة الرقمية الجديدة بزغ نورها وعلى السادة المقيمين خارجها مراعاة فارق التوقيت.