خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

أدبيات الطفيلية

الطفيلي والطفيلية كلمتان شاعتا بيننا. ويذكر أبو عثمان بن بحر الجاحظ أن رجلاً باسم طفيل بن زلال الكوفي من بني عبد الله بن عطفان قد عاش في مدينة الكوفة وكان أبعد الناس في طلب الولائم والأعراس. فقيل له لذلك، طفيل العرائس. وصار ذلك نبزاً (مذمة) له ولقباً لا يعرف بغيره. فصار كل من كانت له هذه الطعمة (الهوس في الأكل) يقال له طفيلي.
وسرعان ما أصبح الطفيليون في أواخر الدولة العباسية طائفة كبيرة يعتز بها أصحابها ويفتخرون. وشاعت عنهم روايات وطرائف كثيرة دونت في بطون الأدب العربي.
كان من مشاهير الطفيليين المدعو بنان، تكلم يوماً فقال: «حفظت القرآن كله ثم نسيته إلا حرفين». سألوه وما هما. قال «آتنا غداءنا».
ومن الطفيليين الذين ذاع صيتهم كان عثمان بن دراج الطفيلي. سألوه: كيف تصنع إذا كان هناك احتفال بعرس ولم يسمحوا لك بالدخول؟ قال أقف وأنوح على بابهم فيتطيرون من نواحي ويدخلوني معهم!
ولا شك أن بعض الناس كانوا ينظرون إلى الطفيلية نظرة سوء. فسأل أحمد بن سعيد أحدهم قائلاً إنك تأكل وتشرب حراماً عندما تدخل وأنت من غير المدعوين للعرس. فأجابه قائلاً: كلا، ليس كذلك، فأنا أدخل من باب النساء فيستوقفوني بأدب ويشيرون إلى باب الرجال ويقولون: من هنا يا سيدي تفضل. فأسمع كلامهم وأدخل بحكم دعوتهم لي، وأكون بحكم المدعوين.
بيد أن الطفيليين لم يجدوا بالطبع أي عيب في سلوكهم هذا، وكثيراً ما تباهوا وتبجحوا به. كما قال أحد شعرائهم:
أوغل في التطفل من ذباب
على طعام وعلى شراب
لو بصرت أرغفة في السحاب
لطرت في الجو بلا حجاب
ولا شك أن من أشهر الطفيليين، أشعب الطماع. سألوه يوماً، ما بلغ من طمعك؟ قال أرى دخان جاري فأثرد عليه.
بيد أن نوعاً آخر من التطفل شاع بين الناس، ألا وهو التطفل على شؤونهم وأسرارهم. تراهم يدخلون مجالس الأمراء والأكابر ويسمعون ما يجري بينهم، بل ويسألونهم عن شؤونهم ومرامهم ومطامحهم. وقد يستغلون ما حصلوا عليه من أسرار للابتزاز والاستثمار. وهذا في رأيي طفيلي أخطر بكثير من طفيلي العرائس والولائم.
استمرت تقاليد الطفولية إلى يومنا هذا واختلطت أدبياتها بالأدبيات الشعبية للبلدان العربية المختلفة. وأصبحت كلمة طفيلي مرادفاً للأهبل. تسمعهم في مصر يخلطونها بالصعيدي، فيقولون إن طفيلياً من الصعيد سمع بأن الجنيه سيفقد كثيراً من قيمته، فأخرج كل ما عنده من جنيهات وحولها إلى قروش. وتسمعهم في العراق يقولون إن خطيبة أهدت خطيبها الطفيلي ببغاء. سألته بعد يومين، كيف وجد الببغاء فقال: والله لحمها أطيب من طعم الدجاج!