طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مذكرات للبيع!!

سجل كمال الشناوي مذكراته وأودعها قبل رحيله بعامين لدى ابنه المخرج محمد الشناوي، وترك له حرية التصرف، يصنع منها فيلما أو مسلسلا أو ينشرها في كتاب، بينما كتبت هند رستم في وصيتها أنها لا توافق على تقديم قصة حياتها في أي عمل فني بعد أن شاهدت حياة عبد الحليم، وسعاد حسني، وصباح، وغيرهم، وما حدث فيها من تشويه. وبالفعل نفذت ابنتها الوصية ورفضت السماح بتقديم حياتها مهما بلغت الإغراءات المادية. شادية أيضا أوقفت قبل أربعة أعوام تصوير مسلسل يروي حياتها. نور الشريف يكتب حاليا مذكراته وطلب من ابنتيه ألا تُنشر إلا بعد رحيله.
ويبقى السؤال: من يروي مذكراته؟! هل هم الناجحون أم الفاشلون؟ ولكن أليس النجاح والفشل بطبعهما أمرين نسبيين؟ وقائع المعاناة والهزيمة أشد درامية من لحظات الزهو والانتصار، ومن حق كل إنسان أن يروي للناس تفاصيل من حياته. دعونا نسأل أولا: أنت تروي لمن قبل أنت تروي عمن؟
المذكرات في النهاية تتحول في ظل انتشار «الميديا» الإعلامية إلى سلعة.. قابلية حياة الفنان للتداول للشراء والبيع وعدد الإعلانات المرتقبة والمحطات التي سوف تعرضها وغيرها من المؤشرات هي الأهم. إنها صفقة تجارية لا يجوز فيها أن تسأل عن أحقية هذا الفنان أو ما هو تاريخه.. لا تستطيع أن تضع مقياسا واحدا لتقول إن هذا الفنان يستحق لأنه من وجهة نظرك يقدم الفن الذي تراه أنت صحيحا وأن الآخر ليس من حقه لأن رصيده لا يرقى للفن الرفيع كما هو مدون في «الكتالوغ».
أغلب نجومنا الكبار لم يدركوا أهمية تسجيل حياتهم بل كانوا يرفضون ذلك، أم كلثوم مثلا سجلت حياتها عام 1973 أي قبل رحيلها فقط بعامين ولم تتقاض أجرا، والمبادرة جاءت من الإذاعي الراحل وجدي الحكيم وذلك لإنقاذ الموقف بعد أن خذله عبد الحليم حافظ ووافق على بطولة مسلسل إذاعي «أرجوك لا تفهمني بسرعة» لأول مرة للإذاعة المنافسة وهي «الشرق الأوسط» بينما كان وجدي يعمل في «صوت العرب»، فقرر أن يقدم لمستمعيه مفاجأة وهي حياة أم كلثوم، التي حذرت وجدي من الاقتراب من حياتها الشخصية، وهو ما تكرر بعدها مع سعد الدين وهبة الذي كان يكتب فيلم «ثومة» وأراد أن يتناول جانبا من حياتها العاطفية لكنها أصرت على الرفض. عبد الوهاب استثمر مذكراته وباعها أيضا إلى سعد الدين وهبة الذي وثقها في برنامج «النهر الخالد» ولم يذكر فيها كعادته كل الحقيقة، وتردد وقتها أنه حصل على مليون جنيه (نحو 150 ألف دولار)، واعتبرت الصحافة أن هذا الرقم يستحق الحفاوة والمانشيتات بالبنط الكبير لأننا لم نكن نعرف أنه بعد 25 عاما سوف يحصل عادل إمام أو هيفاء وهبي على ضعف هذا الرقم مقابل تسجيل ساعتين.
وجدنا في السنوات الأخيرة عمرو دياب ومحمد منير وصولا إلى تامر حسني يسجلون حياتهم، وكل منهم يؤكد أنه تمكن من تحقيق ما لم يستطعه الأوائل، حتى إن تامر أطلق على نفسه لقب «أسطورة القرن» رغم أننا لم نتجاوز سوى 14 عاما فقط من القرن.
ونعود إلى السؤال: من هو الفنان الذي من حقه أن يسجل حياته؟ مقياس هذا الزمن ليس إنجازاتك في دنيا الفن، بقدر ما هو كم تساوي حياتك الفنية والشخصية في سوق الفضائيات.. وربما لهذا السبب فإن «شعبولا» وجدها فرصة لكي يسجل هو أيضا قصة كفاحه التي بدأها «مكوجي» بسيطا يكسب بضعة جنيهات قليلة ليصبح وعلى مدى تجاوز عشرة أعوام مطربا شعبيا شهيرا يكسب الآلاف ولا يفعل شيئا سوى أنه يقول في نهاية كل أغنية «إيييييييييييه»!!