د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

تنافر الآراء

هناك مصطلح إداري شهير مفاده بأنه إذا كانت قرارات مرؤوسيك تتطابق «دائماً» مع قراراتك، فذلك يشير إلى أنه لم تعد هناك حاجة لوجود أحدكما. فعندما تتشابه الرؤى في كل شيء، فهذا إما يعني ارتفاع منسوب النفاق بين المرؤوسين ومديرهم، وإما أن المسؤول لم يعد يختار موظفين يشكّلون قيمة مضافة.
من المسؤولين من يتعمد أن يحيط نفسه ببطانة تؤيده في كل شيء لتشعره بأنه يفعل الصواب حتى ولو كان في الواقع يسير إلى الهاوية. وما أكثر من هوت به أهواؤه لأنه لم يحط نفسه بأقوياء وأمناء في آرائهم. ورأي المحيطين بالمسؤول يصبح مريحاً وصحياً شريطة توافر هامش كبير من حرية التعبير وتقبل النقد. ففي مناخ الحرية تحلّق الآراء النيرة بحرية في آفاق رحبة من النقد البناء. وهو ما يولد أفكاراً ناضجة لأنها نبعت من بيئة طبيعية لا تخشى في الحق لومة لائم.
إذن تنافر الآراء أمر صحي، ويختلف اختلافاً جذرياً عن تنافر الشخصيات. ففي فرق العمل الجماعي يصبح من الطبيعي؛ بل من اللازم، وجود آراء مختلفة بعضها عن بعض حتى يولد كل منها أفكاراً وإسهامات ذات نكهة مميزة. فاختلاف الآراء بسبب الخلفيات الثقافية والعلمية والمهنية يجعل المشاركين ينظرون إلى المشكلة من زوايا متعددة، تساعد في الوصول إلى القرار الأفضل من جميع النواحي. فقد يُجمع الكل، مثلاً، على هدم جدار هائل ثم يكتشفون أنه لم ينظر أحد منهم إلى ماذا يتوارى خلف الجدار من أرواح أو أشياء ثمينة. والسبب أنهم نظروا إليه من جانب واحد.
واختلاف المشاركين في عمل جماعي هو سرّ تميزهم.
المشكلة أن هناك من يتسرع بوأد المشاركات لأنه لم يعد يفرّق بين «الآراء» و«الحقائق»، فينسف كلاماً اعتقاداً منه بأنه مجرد رأي عابر في حين أنه في الواقع يستند إلى معلومة موثوقة ومهمة. وحتى الرأي السديد يرقى في أحيان كثيرة إلى قوة المعلومة الجوهرية، فكم من رأي كان مُراً على متلقيه، إلا إنه كان سبباً وراء قرار صائب. ولولا وجود نصوح وصدوق في رأيه لشغل ذلك الفراغ متسلقون يحاولون تحقيق مآرب شخصية على حساب رجاحة قرارات مسؤولهم. وكما قال الشاعر:
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
وهناك ظاهرة منفّرة بحق في العمل الجماعي، وذلك حينما نكتشف أن بيننا من لا يغير رأيه مهما تَكَشّفَت له تداعيات مقترحاته. ولذا قيل: «الأحمق لا يغير رأيه أبداً». وعليه؛ فمن الحكمة الاستناد إلى أكثر من رأي. فكما تقول العرب: «رأيان خير من رأي واحد».
خلاصة القول إن تنافر الآراء أو اختلافها مسألة صحية، فهي بداية القيمة المضافة للعمل الجماعي. وعدم قبول جميع المقترحات يُبقي المرء وحيداً أمام هشاشة الانفراد بالرأي، وهو درجة من درجات الاستبداد المنفرة. و«من استبد بالرأي هلك».