ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

ماكرون لا يمكنه إنقاذ جونسون

من المؤكد أنه بغض النظر عمن اقترح عملية المادة 50 للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فإنه لم يرد بخاطره قط أنه سيجري تفعيلها يوماً ما، ناهيك عن تحويلها إلى عملية تعذيب إجرائي مروعة.
كان من المفترض حسم أمر «البريكست» في مارس (آذار)، لكن عجز المملكة المتحدة عن اتخاذ قرار بخصوص ما ترغبه أحبط الخطط الجيدة التي وضعها مسؤولو بروكسل التكنوقراط. وبعد رفض ويستمنستر ثلاث مرات الاتفاق الأصلي لـ«البريكست» الذي أبرمته رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي وبعد تمديد الاتحاد الأوروبي مرتين الموعد النهائي الأصلي لـ«البريكست»، ومع وجود بوريس جونسون اليوم في داوننغ ستريت، يبدو أننا دخلنا عالم من اللامعقول حيث انقلب الواقع رأساً على عقب.
الآن، نقف أمام اتفاق «بريكست» جديد يصر الاتحاد الأوروبي على أنه غير قابل لإعادة التفاوض بشأنه، وترتيب جديد بخصوص آيرلندا الشمالية تؤكد المملكة المتحدة أنه مختلف عن مقترح «المسند الآيرلندي»، وطلب بريطاني رسمي بتمديد أجل الموعد النهائي للانفصال المحدد في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، الأمر الذي يقول جونسون إنه لا يرغبه.
ويمكننا تخيل إطلاق قادة الاتحاد الأوروبي الـ27 الآخرين زفرات وتنهيدات طويلة ووقوفهم منتظرين. كان الاتحاد الأوروبي قد بذل جهداً خرافياً لتفادي المحاولات البريطانية لإحداث انقسام في صفوف أعضائه حول «البريكست»، وقوبل الاتفاق الجديد الذي جرى التوصل إليه الأسبوع الماضي مع جونسون بعد مشقة كبيرة بارتياح كبير. وأخيراً، أصبح بإمكان الاتحاد الأوروبي التحول بأنظاره لقضاياه الأخرى، من حرب التعريفات مع الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترمب إلى تناول قضية التغييرات المناخية ومحاولة اتخاذ موقف صارم حيال الصين.
من جهته، أغدق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبارات الثناء على جونسون، ومن المؤكد أنه يشعر بالارتياح لرحيل البريطانيين - بصورة ودية بالطبع - الأمر الذي سيزيح عقبة أمام طموحاته لتحقيق قدر أكبر من الاندماج بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. والآن، من جديد تطل إمكانية التأجيل برأسها ومعها خطر انتشار العدوى مع ترك المشهد السياسي البريطاني الذي يعاني حالة اختلال وظيفي تأثيراً سلبياً على الإدارة المنظمة للاتحاد الأوروبي ووحدة صفه.
إذن، ماذا يتعين على الاتحاد الأوروبي فعله؟
المؤكد أن الاستجابة المتعجلة لا تخدم مصلحة أحد، خاصة أن البرلمان لم يصوت فعلياً بعد على اتفاق «البريكست» الجديد. وقد فرض طلب تمديد موعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لثلاثة أشهر أخرى، فرضاً على جونسون من جانب أعضاء البرلمان البريطاني، بينما يحاول حلفاؤه المؤيدون لـ«البريكست» دفع مجلس العموم نحو قبول «الاتفاق الذي توصل إليه جونسون أو لا اتفاق على الإطلاق».
وسيجري النظر إلى أي قرار يصدر من بروكسل بخصوص تمديد أجل «البريكست» قبل تصويت البرلمان على اتفاق جونسون، باعتباره تدخلاً في شؤون المملكة المتحدة السياسية. وبالمثل، فإن الوقوف إلى جانب جونسون عبر استبعاد أي إرجاء يعني إلزام الاتحاد الأوروبي بانفصال دون اتفاق في 31 أكتوبر، إذا رفض البرلمان التصديق على الاتفاق، الأمر الذي سيخلف أضراراً اقتصادية. وإذا لم يتوافر وقت كاف لتنظيم عملية التصويت قبل نهاية أكتوبر، سيسمح الاتحاد الأوروبي بالتمديد؛ ففي نهاية الأمر ليست له مصلحة في إغلاق الباب قبل الأوان، بغض النظر عما يقوله الوزراء الداعمين لـ«البريكست» أمثال مايكل غوف.
وإذا وافق أعضاء البرلمان على اتفاق جونسون سريعاً، سيصبح الجدل دونما معنى. من الواضح أن الاتحاد الأوروبي سيمنح المملكة المتحدة وقتاً كافياً للقفز عبر العقبات التشريعية المتنوعة لتحويل «البريكست» إلى قانون.
إلا أن الأمور ستصبح معقدة إذا ما أحبط ويستمنستر خطط ماكرون لطلاق سريع ورفض اتفاق جونسون. وإذا أخفق الاتفاق بفارق حفنة أصوات، وإذا جاءت هذه الأصوات من حلفاء جونسون الغاضبين داخل الحزب الوحدوي الديمقراطي بآيرلندا الشمالية، فإن آراء ماكرون الأكثر صقورية إزاء تمديد أجل الانفصال ربما تكتسب قوة أكبر. وربما تعرض بروكسل إرجاء قصيراً فحسب (أقل عن الأشهر الثلاثة المطلوبة) في محاولة لإجبار آخر الأعضاء البرلمانيين القليلين المترددين على الانضمام إلى مؤيدي الاتفاق أو مواجهة «بريكست دونما اتفاق».
إلا أنه إذا اتضح أن اتفاق جونسون لن يحصل أبداً على فرصة التمرير عبر مجلس العموم، فإن هذا سيكشف أمام الاتحاد الأوروبي أن بريطانيا بحاجة إلى تغيير سياسي أعمق للخروج من هذه الأزمة. من جانبهم، يدعو الأوروبيون من معسكر الحمائم إلى تمديد الأجل لفترة أطول، وربما تلقى دعوتهم قبولاً.
ومع أن تمديد الأجل بصورة ما يبدو أمراً حتمياً، فإنه لا ينبغي لأحد التقليل من أهمية الحدة التي قد يصبح عليها هذا الجدل بين زعماء الاتحاد الأوروبي. اليوم، أصبح الوضع مختلفاً للغاية عما كان عليه وقت قيادة ماي، عندما اشتكى أنصار «البريكست» الأشداء من أنها بذلت مجهوداً واهناً وتفاخروا بأن بمقدورهم التوصل لاتفاق أفضل مع بروكسل. اليوم، لم يعد أنصار «البريكست» يلقون باللوم على الاتحاد الأوروبي بخصوص ما يبدو واضحاً أنه مشكلة تخص المملكة المتحدة: عجز البرلمان عن اتخاذ قرار.
اليوم، يبدو أن نفاد صبر ماكرون حيال لندن بدأ في الانتقال إلى قيادات أخرى بالاتحاد الأوروبي، مع حديث المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن بريطانيا فيما بعد «البريكست» باعتبارها «منافساً». ومن المؤكد أنه ستحين لحظة سيدرك الجميع حينها أن التأجيل المستمر سيكون ثمنه أفدح عن الانفصال دونما اتفاق على الإطلاق.
* بالاتفاق مغ «بلومبرغ»