د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الأطفال والأجهزة الإلكترونية في غرف نومهم

تظل بعض الأمور في الحياة الأسرية مُبهمة لبعض الآباء والأمهات على الرغم من مرور سنوات على بلوغهم مرحلة الأبوة أو الأمومة ومتطلبات هذا الوضع منهم. وفهم الآباء والأمهات لأبجديات ما يُعرف طبيا بـ«الأبوة والأمومة الجيدة» Good Parenting هو مما يجدر وضوحه لهم كي يُتقنوا فنّ قيامهم بهذا الدور الحيوي في حياتهم وفي حياة ذريتهم وفي تصرفاتهم الاجتماعية، والأهم أن تكون الأبوة والأمومة مصدر راحة ومتعة لهم بدلا من مصدر همّ وقلق عليهم.
ومع تلقي الوالدين طوال الوقت اقتراحات إما بشكل مباشر أو غير مباشر حول الكيفية اللازم عليهما القيام بها في تنشئة ورعاية أبنائهما وبناتهما، وذلك من غالبية الناس من حولهما، سواء من أفراد الأسرة الأكبر منهما سنا أو من أقرانهما الآباء والأمهات، فإن بعضا من الآباء والأمهات قد يشعر أن الجميع غيرهم بارعون طوال الوقت في فهم ما يجب وما لا يجب على الآباء والأمهات فعله خلال تنشئة أبنائهم وبناتهم. والحقيقة أن ثمة قائمة لا تنتهي ولن تنتهي، ويظهر كل يوم عنصر جديد فيها، حول ما يجب وما لا يجب على الآباء والأمهات فعله أو قوله أو سلوكه إزاء مستجدات لا تنقضي في دخولها إلى حياة أبنائهم وبناتهم الذين يتطور نموهم طوال الوقت والذين يقابلون أشياء وأشخاصا جددا كل يوم.
ولكن يبقى المطلوب إدراكه وفهمه هو أساسيات مسؤوليات الوالدين كي يتمكنا من النجاح في القيام بدور «الأبوة والأمومة الجيدة» في النواحي التي تتعلق بحفظ الصحة النفسية والبدنية لأطفالهما.
المعهد الوطني الأميركي لصحة الطفل والتنمية البشرية عرّف «الأبوة والأمومة الجيدة» ضمن قائمة من العناصر البسيطة والسهلة الفهم والشاملة لغالبية الأمور الممكنة التي بوسع الوالدين القيام بها، وأفاد بأنها تشمل النجاح في الحفاظ على الطفل آمنا في بدنه ونفسيته، وإظهار المودة له والإنصات إليه، وتقديم نموذج الترتيب والتناسق في شؤون عيش الحياة اليومية، ووضع الحدود له وفرض التزامه بها، وقضاء الوقت مع الطفل، والرصد الواعي لصداقاته وأنشطته اليومية، وتوجيه عملية قيادة الطفل بآلية القدوة التي يلتزم بها الأب والأم.
وعالم اليوم بالنسبة للأطفال والمراهقين هو عالم إلكتروني بامتياز، تتوفر فيه الأجهزة الإلكترونية التي تؤثر في مستخدميها كأجهزة إلكترونية كهربائية وكهرومغناطيسية مجردة، وتؤثر أيضا كأجهزة تعرض أنواعا شتى من الخدمات الترفيهية والتعليمية الصالحة أو الطالحة، والأهم كأجهزة تربط الشخص بأرجاء واسعة من العالم وبأزقة وشوارع في مناطق قريبة أو بعيدة جغرافيا وثقافيا وعرقيا. وفي هذا العالم الإلكتروني يُمسي من الضروري حرص الآباء والأمهات على حماية الحالة الصحية للأبناء والبنات، بجوانبها البدنية والنفسية، من واقع مسؤولياتهم في ممارسة «الأبوة والأمومة الجيدة».
دعونا ننظر فقط إلى الجوانب المتعلقة بتلك الأجهزة كأجهزة إلكترونية ذات تأثيرات كهربائية وكهرومغناطيسية. وضمن إصدارتهم في 4 سبتمبر (أيلول) الماضي، عرض الباحثون من مستشفى ستوني بروك للأطفال في نيويورك طرحا متقدما في مسؤولية الآباء والأمهات بوجوب منع وجود الأجهزة الإلكترونية Electronic Devices داخل غرف نوم الأطفال. وأوضحوا أن وجود الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والكومبيوترات المحمولة بأنواعها وألعاب الفيديو على اختلافها، في غرف نوم الأطفال لها تأثيرات صحية سلبية على الجوانب البدنية والنفسية للأطفال، أحدها تلك التأثيرات السلبية على قدرات النوم في ساعات الليل وقدرات الكفاءة الذهنية ومهارات التعلم خلال ساعات النهار. وأفادوا أنه حتى لو لم يستخدمها الطفل بالليل، فإن وجودها في غرف النوم يُصاحبه وجود أنشطة فيزيائية إلكترونية في أجواء غرف النوم، ما يتسبب بأضرار على قدرات النوم المريح بالليل.
وأعطت الدكتورة جيل كيرنغتون، طبيبة الأطفال في مستشفى ستوني بروك، مثلا بقولها: «إن انبعاث الضوء بشدة من شاشة الهاتف الجوال حتى عند محاولة معرفة ساعة الوقت، قد يتسبب بكسر دورة النوم لدى الطفل، ووجود الساعة المنبهة العادية في غرفة النوم أفضل». وذكرت أنه على الرغم من أن كل طفل له احتياج مختلف لكمية النوم الليلي، فإن إرشادات المؤسسة الوطنية الأميركية للقلب والرئة والدم U.S. National Heart, Lung, and Blood Institute تشير إلى أن الطفل في مرحلة ما قبل الدخول إلى المدرسة يحتاج ما بين 11 إلى 12 ساعة من النوم في كل يوم، وأطفال المدارس يحتاجون 10 ساعات، والمراهقين بحاجة إلى ما بين 9 إلى 10 ساعات، والبالغين يحتاجون ما بين 7 إلى 8 ساعات من النوم اليومي.
وأضافت أن الإحصائيات الحديثة للمؤسسة القومية للنوم National Sleep Foundation تفيد أن نحو 70 في المائة من صغار السن، ما بين 6 إلى 17 سنة من العمر، لديهم على أقل تقدير جهاز إلكتروني واحد في غرفة نومهم. وهؤلاء نومهم أقل من أولئك الذين تخلو غرف نومهم من تلك الأجهزة.
وقدم الباحثون مجموعة من الخطوات التي تُعين الآباء والأمهات على قيامهم بدور «الأبوة والأمومة الجيدة» في هذا الشأن، منها وضع روتين يومي لذهاب الطفل إلى سرير النوم يشتمل تعويد الطفل على إما الاستحمام أو قراءة كتاب أو غيرها من الأفعال التي تعينه على الاسترخاء والتهيئة للنوم بقطع كافة الأنشطة التي تُشتته عن ذلك. ومن ذلك إطفاء عمل كافة الأجهزة الإلكترونية قبل ساعة من حلول موعد النوم، وإخراجها من غرفة نوم الطفل. والعمل التدريجي على خفض الساعات اليومية لاستخدام الطفل تلك الأجهزة الإلكترونية وزيادة وقت ممارسة الطفل للأنشطة الرياضية البدنية كوسيلة للتعويض، إضافة إلى عناصر أخرى لا مجال للاستطراد في عرضها.
الفكرة التي عرضها الباحثون تتحدث ببساطة عن ضرورة فهم الآباء والأمهات متطلبات ممارستهم دور «الأبوة والأمومة الجيدة»، وعدم تهاونهم في التزامهم بالعناية بأطفالهم للحفاظ عليهم آمنين بدنيا ونفسيا، وتقديم نموذج عملي لأطفالهم في كيفية ترتيب أنشطتهم اليومية في جانب النوم والاستيقاظ، وتدخلهم كآباء وأمهات في وضع الحدود والتزام أطفالهم بها في التعامل مع استخدام الأجهزة الإلكترونية، ومشاركة أطفالهم في الأنشطة الرياضية أو الترفيهية البديلة لاستغراق الأطفال في استخدام الأجهزة الإلكترونية تلك.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]