د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«الكاريزما»... وهم التأثير الأوحد!

لو أجريت استفتاء عشوائياً بين الناس، عن أكثر خصلة يجب توفرها في القياديين من حولنا، فقد يجمعون على أنها «الكاريزما»، أو «الجاذبية الشخصية القوية»، كما يعرفها قاموس «أكسفورد» المعرب. وهو بالفعل ما حدث معي في ورش عمل كثيرة تناولت فيها تطوير القيادات، إذ يتوقع كبار المسؤولين بالفعل أن «الكاريزما» هي الصفة الأهم. غير أن واقع الحال لا يعكس ذلك. فقد تجد رئيساً تنفيذياً أو وزيراً ليس لديه ذلك القدر من «الكاريزما»؛ لكنه يحسن كيفية إدارة مؤسسته، وتوظيف قدرات مساعديه، كلٌّ في مجاله، ولديه رؤية ثاقبة، ويتحلى بالحزم، وعملي جداً في قراراته. غير أنه يفتقد للحضور، وهو الوهج الذي يصاحب أصحاب «الكاريزما».
وقد أصبحت حقيقة لا مراء فيها للعلماء، أن «حقبة الرجل العظيم» قد ولَّت، وهي ما كانت تعني وجود اعتقاد سائد حتى الأربعينات، بأن القائد الفذ يولد بمجموعة من الصفات تؤهله لأن يصبح نجماً في ميدانه؛ إذ تبين لاحقاً أن من يفتقد تلك «الصفات» يمكنه أن يكتسبها بالمران، وهذا ما دفع كبريات الجامعات مثل «هارفارد» في أميركا، ومعهد «إنسياد» في أوروبا، وغيرهما، إلى إطلاق برامج تطوير القادة لعقود طويلة، وذلك عندما اتضح للعلماء أن القيادة «سلوك مرتبط بمواقف معينة»، وليس مجرد مجموعة صفات. و«الكاريزما» إحدى الصفات التي يزعم البعض أنها تختزل سمات القائد الجيد.
ولو كانت «الكاريزما» وحدها كافية لتزيين صدور كبار المسؤولين بنياشين القيادة، لكان كل الديكتاتوريين في العالم هم أفضل قادة. غير أن ما يميز القادة الفاعلين عن الديكتاتوريين، هو أن الفئة الأولى تبني ولا تهدم، وتزرع ولا تقلع، ولديها المرونة الكافية لتغيير سلوكها حسب مقتضيات الموقف. لا يهمها دائماً أن تهزم الآخرين، فهي ترى أن الانسحاب التكتيكي أو التراجع عن القرار دليل حكمة، وليس مؤشر ضعف، كما يظن بعض المستبدين ممن شغلهم الشاغل تدمير الآخرين أو قمع آرائهم، بفعل هالة «الكاريزما».
ولما تعمق العلماء في أحد أشهر وأوسع أبحاث القيادة نطاقاً، وهو مشروع «غلوب» (GLOBE) الشهير، على نحو 62 دولة، تبين أن الشعوب تختلف أيضاً في نظرتها لأهمية «الكاريزما»، أو بالأحرى لكيفية نظرتهم إلى الصورة المثالية للقائد. فاكتشفنا أن «الكاريزما» لا تأتي في المرتبة الأولى في أقاليم الوطن العربي؛ بل الخامسة.
وبحسب أبحاث مشروع «غلوب»، فقد انقسمت الشعوب حول صفات القياديين، غير أن أكثر خصال أجمع عليها الناس حول العالم، كانت القائد «الجدير بالثقة»، و«الصادق»، فضلاً عن ميلهم إلى القياديين الذين يمارسون العمل الجماعي عبر فرق عمل، بدلاً من الانفراد في القرارات.
إذن، اتضح علمياً وواقعياً أن «الكاريزما» التي تسحرنا جميعاً، ليست كافية لتبوؤ البعض مناصب قيادية عليا؛ ذلك أن «القيادة سلوك» (behavior)، وشخصية مؤثرة تدرك كيف تتعامل مع كل موقف بحكمة واتزان، تضع فيه مصلحة المنظمة قبل مصلحتها الشخصية.