نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

الحرب الاقتصادية بين أميركا والصين وتداعياتها

في أوائل عام 2000، زار الكاتب الأميركي غور فيدال الصين. وبعد أن شهد السرعة المدهشة للتنمية الحضرية هناك قال نصاً: «لقد فاتنا تفويض السماء». لكن ماذا سيحدث لو أن هذا التفويض فاتنا مرة أخرى؟
منذ مطلع القرن العشرين، كانت الهيمنة الاقتصادية المتزايدة للصين تبدو وكأنها تفويض من السماء. فبما أن قطاع الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة قد تعرض للتخريب بعد ما يسمى بصدمة الصين، فقد رأى العمال الأميركيون وظائفهم تتلاشى. وأشار بعض الاقتصاديين إلى التجارة مع الصين باعتبارها السبب الرئيسي لانخفاض نصيب العمال من الدخل القومي في الولايات المتحدة.
لكن هذا الواقع تغير منذ أوائل عام 2000 حيث لم تعد الصين ذلك العملاق الذي لا يقهر. فوفق شركة «أكسفورد أكنوميكس» الاستشارية الأميركية، فإن تكاليف العمالة في الصين - أي الأجور المحتسبة وفق الإنتاجية - كانت تقارب ربع ما كانت عليه في الولايات المتحدة عام 2003، والآن تكاد تكون النسبة متساوية.
هناك عدة أسباب للتغيير؛ السبب الأول، بالطبع، هو الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس دونالد ترمب، حيث أدت التعريفات إلى جعل البضائع الصينية أقل قدرة على المنافسة، وقد تتسبب حالة عدم اليقين بشأن التعريفات الإضافية في زيادة التكاليف لأي شخص يفكر في الحصول على بضائع من الصين. لكن تآكل القدرة التنافسية الصينية سبق مجيء ترمب، حيث ارتفعت الأجور بشكل مطرد منذ سنوات.
من غير المحتمل أن يتغير هذا الاتجاه قريباً، حيث لم يعد لدى الصين مجموعة من العمالة الريفية الرخيصة التي يمكن جلبها إلى المدن للإبقاء على تكاليف التصنيع منخفضة. فعدد السكان في سن العمل في تراجع بالملايين، وسيزيد التراجع في المستقبل.
إذا واكب الإنتاج زيادة الأجور، فإن الوضع التنافسي للصين سيكون آمناً، لكن الإنتاج ظل بطيئاً منذ زمن الكساد الكبير. بمعنى آخر، يبدو أن التهديد التنافسي من الصين يتراجع، على الأقل فيما يتعلق بالعمال الأميركيين. قد لا يزال الصينيون في مجال التكنولوجيا وصناعة السيارات ينافسون الشركات الأميركية، لكن يتعين عليهم المنافسة في الابتكار، لا في التكاليف.
هل يعني ذلك أن العمال الأميركيين سيشرعون في رؤية رواتبهم تنمو بسرعة أكبر؟ ربما. يعتقد زميلي كاتب الرأي بوكالة أنباء «بلومبرغ»، كارل سميث، أن الارتفاع الأخير في الأجور كجزء من الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن ينذر باتجاه جديد يتمثل في زيادة تعويض العمال وتراجع عدم المساواة.
أيضاً يلاحظ سميث أن الارتفاع الأخير في الأجور قد أفاد العمال في الجزء السفلي من جدول التوزيع بقدر ما استفاد منه الجزء العلوي.
هذه بالتأكيد علامات مشجعة، لكن سيكون من السابق لأوانه استنتاج أن تراجع المنافسة الصينية له علاقة بانتعاش الأجور المتواضع. التفسير الآخر الواضح هو أن مكاسب الأجور هي مجرد نتيجة لأطول توسع اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. فقد جاء ارتفاع الأجور أيضاً كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في التسعينات لتواصل انخفاضها بعد انتهاء الطفرة.
هناك بالفعل دليل على أن الارتفاع المتواضع الأخير في الأجور ليس له علاقة تذكر بإعادة بيع النشاط الصناعي من الصين. فقد زادت نسبة واردات الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة إلى الإنتاج الصناعي المحلي ولم تنخفض في السنوات الأخيرة.
تقوم الولايات المتحدة بمجرد نقل الواردات من الصين إلى دول أخرى، معظمها في آسيا. وفي الوقت نفسه، زادت العمالة الصناعية في الولايات المتحدة لكن بشكل ضئيل.
سبب آخر يدعو للحذر هو أن الاقتصاديين غير متيقنين من أن المنافسة الصينية كانت عاملاً رئيسياً في ركود الأجور في الولايات المتحدة. تتضمن التفسيرات الأخرى تراجع النقابات وميل القوانين الأميركية لصالح التجارة، والتغييرات التكنولوجية التي أدت إلى استبدال الآلات الرخيصة بالعمال. وفي الوقت نفسه، فإن النظريات نفسها التي تنبأت بالمنافسة الصينية ستجعل انخفاض الأجور في الولايات المتحدة تفشل في تفسير سبب زيادة الأجور الصينية أيضاً بشكل أبطأ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي خلال جزء كبير من أوائل عام 2000.
قد تكون المنافسة الصينية قد وفرت للعمال الأميركيين منافسة أشد في الماضي، لكن التكنولوجيا ستثبت أنها التحدي في المستقبل. قد تعود الصناعات التحويلية إلى الشواطئ الأميركية، بحيث يهيمن عليها الروبوتات فقط، مما يحول الكثير من عمال التصنيع الباقين إلى قطاع خدمات ذي أجور منخفضة وأقل نقابية. ومع ذلك، هناك بعض الأسباب للاعتقاد بأن الاقتصاد المتباطئ في الصين قد يدفع أرباحاً للعمال الأميركيين. ومن المحتمل أن يؤدي تباطؤ نمو الاستهلاك الصيني، إلى جانب الحرب التجارية، إلى جعل الشركات المتعددة الجنسيات أقل رغبة في ممارسة الأعمال التجارية في الصين. ويمكنهم بعد ذلك تحويل تركيزهم إلى السوق الأميركية، وإنشاء المكاتب والمرافق الأخرى وزيادة الطلب على العمالة المنزلية.
كذلك قد يؤدي التباطؤ الصيني إلى دفع رأس المال الدولي إلى التدفق مرة أخرى إلى الولايات المتحدة، مما يعزز الاستثمار ويرفع الأجور، وإن كان ذلك يساهم في تأجيج فقاعة الأصول.
لذلك سيكون على العمال الأميركيين المحاصرين أن ينتظروا ويروا ما إذا كان التباطؤ والتناقص في الصين سوف يعززان رواتبهم. ولكن بدلاً من مجرد الانتظار بعد أن هدأت العاصفة، يجب على الولايات المتحدة أن تبحث عن طرق لتوجيه الدخل القومي إلى العمل مجدداً.

*بالاتفاق مع «بلومبرغ»