هل سيجد بوريس جونسون نفسه في حفرة من الأشواك بسبب «بريكست» ـ أم أن هذا تحديداً المكان الذي يرغب في وجوده به؟
تعتبر قصة الأرنب برير واحدة من قصص الذكاء والتحايل المعروفة في الفولكلور الأميركي. وفي إحدى حلقاتها، ينجح الثعلب في إسقاط الأرنب برير في الفخ، ويشرع في التفكير في كيفية الإجهاز عليه، محاولاً إيجاد أسوأ مصير ممكن لعدو لطالما فاقه في الذكاء.
وهنا، يتوسل إليه الأرنب برير طالباً الرحمة، ويقول: «أغرقني! اشويني! اشنقني! لكن أرجوك لا تلق بي إلى حفرة الأشواك» ـ وهذا تحديداً ما يفعله الثعلب، الأمر الذي أسعد الأرنب برير كثيراً. وفي وقت لاحق، يقول الأرنب للثعلب بينما هو منهمك في تسريح فرائه: «أترى؟ لقد ولدت ونشأت داخل حفرة الأشواك».
ربما من الأسهل بكثير تصوير بوريس جونسون صاحب الجسد الممتلئ والرشاقة السياسية بأنه دب، أو حتى ثعلب، عن تصويره كمجرد أرنب هزيل، لكن يبقى الأمر الواضح أن خصوم رئيس الوزراء البريطاني حاصروه ووضعوه في مأزق. ويبدو أنه أخفق في حساباته مرات عدة في خضم محاولاته إنجاز «بريكست» بحلول عيد الهالوين. اليوم، أصبح مضطراً لطلب تمديد أجل «بريكست»، بينما يقف عاجزاً عن الدعوة لعقد انتخابات، ويبدو عالقاً دونما أغلبية تدعمه بينما يخوض حزبه حرباً مفتوحة.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، وإنما أعلنت المحكمة العليا في اسكوتلندا بطلان قراره بتجميد أعمال البرلمان، وأصبح الأمر في يد المحكمة العليا في المملكة المتحدة لتحسمه الأسبوع المقبل. وبفضل خدعة دستورية أخرى، أجبر جونسون كذلك على الكشف عن معلومات حكومية حساسة حول التأثيرات المحتملة لإنجاز «بريكست» دون اتفاق، بما في ذلك نقص الغذاء والوقود والمياه، وحدوث حالة اضطراب عامة. وقد سجل خصوم جونسون الكثيرون داخل البرلمان نصراً تلو الآخر. ومع هذا، من الخطير افتراض أنهم وجهوا إليه لكمة قاتلة. وفي الوقت الذي يحتفل خصوم جونسون بالمصاعب التي يواجهها، فإنهم ربما يرسلونه بذلك إلى أكثر مكان يشعر فيه بالارتياح: النسخة الخاصة به من حفرة الأشواك.
يتمثل الاعتقاد السائد في أنه إذا ما أجبر جونسون على طلب وقبول تمديد أجل الموعد النهائي لـ«بريكست» المحدد في 31 أكتوبر (تشرين الأول)، فإن هذا سيشكل لطمة مدمرة له، وأنه ربما يفضل الموت عن الاضطرار لهذا الأمر. إلا أن التساؤل هنا: هل سيدفع هذا لإلقاء الناخبين البريطانيين اللوم عن ذلك على جونسون؟ في الواقع، ليس من المؤكد أنهم سيفعلون ذلك. وتكشف استطلاعات الرأي عن رأي عام أكثر استقطاباً، مع ميل أنصار «بريكست» على نحو متزايد نحو التماس العذر لأي سلوك يدفع رحيل المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي لما وراء الحدود المعقولة.
من جانبه، سيسعى جونسون لتفخيخ أي تمديد لأجل «بريكست»، عبر الادعاء بأنه خدعة من جانب المعسكر المطالب بالبقاء داخل الاتحاد الأوروبي للحيلولة دون تنفيذ «إرادة الشعب». وربما يواجه الاتحاد الأوروبي ذاته صعوبة في الموافقة على إرجاء إذا ما تعهد جونسون باتخاذ موقف متشدد، أو ربما يواجه مخاطرة الظهور في صورة من يميل لصف دون الآخر في إطار الحروب السياسية البريطانية الداخلية. ومن شأن أي من ذلك المساعدة في حملة إلقاء اللوم التي سيطلقها جونسون.
إضافة لذلك، تبقى أمام جونسون خيارات أخرى، ذلك أنه ربما يرفض الانصياع لأمر البرلمان بإرجاء «بريكست»، أو يتقدم باستقالته، ليترك زعيم حزب العمال اليساري جيرمي كوربين في محاولة جمع شتات حكومة لطلب التمديد. ومثلما أشارت «بلومبرغ»، مؤخراً، تبقى هناك دوماً إمكانية أن تقدم واحدة من الدول الأعضاء المنعزلة داخل الاتحاد الأوروبي مثل المجر على إعاقة محاولة إرجاء «بريكست»، والذي يتطلب موافقة بالإجماع.
من جهته، اتخذ حزب العمال (ضد رغبة كوربين) قراره بحرمان جونسون من عقد انتخابات في أكتوبر، لأنه لم يرغب في منحه ما يريد من تصويت وطني كان يمكن أن يحفز أنصار «بريكست» في بريطانيا للعودة إلى حزب المحافظين بقيادة جونسون الذي أصبح بيده تفويض يمكنه من الخروج فجأة من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق. ومع هذا، فإن إجراء انتخابات في أكتوبر لم تكن ستشكل مهمة يسيرة أمام رئيس الوزراء، ذلك أنه كان سيتعين عليه الاختيار بين الدخول في تحالف مع حزب «بريكست» بقيادة نايجل فاراج، أو الاحتفاظ بناخبي حزب المحافظين الأكثر اعتدالاً.
وكلما مرَّ الوقت، بدا البرلمان أكثر في صورة من لا يدري ماذا يريد حقاً ـ وانكشفت الانقسامات في صفوف حزب العمال بخصوص «بريكست» ـ وبالتالي تزداد دعوة جونسون لإنجاز مهمة «بريكست» جاذبية أمام الناخبين البريطانيين الذين أصابهم السأم.
بالتأكيد، دفع قرار تجميد البرلمان جونسون خطوة إلى الخلف لنقطة يشعر عندها بسعادة كبرى، بعيداً عن مجلس العموم حيث أصبحت بيده السلطة الكاملة. ورغم أنه ليس بإمكانه إصدار تشريعات، فإنه بالتأكيد قادر على إصدار بيانات ستجري وسائل الإعلام بإذاعتها، في الوقت الذي خسر أعضاء البرلمان منبرهم. وبإمكانه الاضطلاع بنشاطات دبلوماسية كبيرة وإصدار وعود بنفقات باذخة.
وبطبيعة الحال، سيكون من المحرج له صدور حكم من المحكمة العليا ضد قرار التجميد. وسيزيد ذلك من صعوبة تجنبه لتشريع يطالبه بالسعي وراء تمديد أجل «بريكست». ومع هذا، فإن الانتكاسات القانونية والغضب الأخلاقي لا يترجمان بالضرورة إلى رفض من جانب الناخبين. في الواقع، ستمكنه الخسارة من تصوير القضاة الاسكوتلنديين (وربما من الإنجليزيين) باعتبارهم جزءاً من المؤسسة المناهضة لـ«بريكست»، في الوقت الذي سيمطره البرلمان المنعقد من جديد باستجوابات غير مريحة وجلسات استماع باللجان، الأمر الذي سيعزز موقفه الانتخابي بتصوير المشهد في صورة الشعب في مواجهة البرلمان، وإثارة انطباع بأن المشرعين يقفون في طريق «بريكست».
ومع ذلك، فإن ما سبق لا يعني أن جونسون، أو مستشاره دومينيك كومنغز سعيدين بالحال التي وصلت إليها الأمور. ومن الواضح أنهما في حالة تخبط. كما أن هذا ليس بوضع صحي بالنسبة لأي من المشهدين الاقتصادي أو السياسي في بريطانيا.
من جهته، يراهن الفريق المعاون لجونسون على أن الناخبين سيكافئونه نهاية الأمر لإظهاره القيادة اللائقة وفعله كل ما يتوجب فعله للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، لكن تبقى هذه مراهنة كبيرة وتتطلب من المحافظين العمل على تعويض المقاعد التي سيخسرونها في اسكوتلندا ولندن والمناطق الأخرى من البلاد المؤيدة للاستمرار داخل الاتحاد الأوروبي. كما أن الإرجاء ساعد في توحيد صفوف المعارضة لخيار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق، ومن الصعب استبعاد إمكانية ظهور تحالفات انتخابية على هذا الجانب.
وبذلك فإنه رغم نجاح خصوم جونسون في محاصرته، فإن الكثير مما سيحدث الفترة المقبلة يعتمد على الخطوة التالية التي سيتخذونها.
وربما يكون خصوم جونسون قد نجحوا في دفعه بالفعل إلى حفرة مليئة بالأشواك، لكنه في الواقع قادر على تحمل وخز بعض الأشواك، لذا لا يمكنهم الاحتفال بالقضاء عليه تماماً بعد.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT
«بريكست»: طريق مليئة بالأشواك
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة