تنطلق بعد أيام وتحديداً 24 سبتمبر (أيلول) الحالي، الدورة الرابعة والسبعون للجمعية العامة بالأمم المتحدة في قلب مدينة نيويورك المثقلة بخليط عجيب من السعادة والبؤس! انتخبت مؤخراً الجمعية العامة، وفقاً للمادة 21 من ميثاق الأمم المتحدة، الشخصية النيجرية المرموقة السفير تيجاني محمد بندي، ليكون رئيساً لها. تجربته الثرية والطويلة متقلباً بين مناصب أكاديمية والإدارة المحلية والحوكمة في القارة السمراء، ستنعكس إيجاباً على أعمال الجمعية العامة خلال هذه الدورة.
من السمات اللافتة خلال هذه الدورة، تآكل الدور الإيراني على الساحة الدولية بشكل ملحوظ وعزلها للحد من أذاها، بعد كشف مخططاتها الإجرامية الرامية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الحيوية، آخرها قرصنة السفن في مضيق هرمز والتهديد بإغلاقه ثم مواصلتها عملية «الابتزاز النووي» بعد أن أعلنت مؤخرا أنها ستواصل تصعيد إجراءاتها التي تنتهك الاتفاق النووي بزيادة تخصيب اليورانيوم. إلى جانب عدد كبير من الدول المحبة للسلام والاستقرار في العالم (وهو أحد مقاصد ميثاق الأمم المتحدة) كان للمملكة العربية السعودية دور بارز في كبح انفلات طهران وتهورها من خلال دبلوماسيتها العقلانية والرصينة وقوتها العسكرية الرادعة بحزم. وفي نفس السياق ينشط دور الرياض لدعم التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي سيكون أحد المواضيع الرئيسية على قائمة بنود الدورة الحالية لما يشكله الإرهاب من تهديد للعالم أجمع. تتصدر إيران قائمة الدول الراعية للإرهاب الدولي بجميع أشكاله ومظاهره، حتى أصبحت صفة إرهاب مرادفة دائماً حين تذكر إيران، الانتهاكات الخطيرة المتكررة لطهران في خرق ميثاق الأمم المتحدة هو محل ازدراء المجتمع الدولي ومن المتوقع طرح هذه الانتهاكات لإيجاد السبل الكفيلة للحد منها. مضي إيران قدما في هذا الطريق الموحش ربما أدى في نهاية المطاف إلى إلقائها خارج أسوار المبنى الزجاجي الأخضر المطل على نهر «إيست ريفر» في قلب جزيرة منهاتن.
كما جرت العادة، للاستفادة من الحضور الكثيف لقادة الدول، سوف يعقد على هامش أعمال الجمعية العامة اجتماعات رفيعة المستوى بشأن: التغطية الصحية الشاملة، التنمية المستدامة، الذكرى الثلاثين لاعتماد اتفاقية حقوق الطفل، تمويل التنمية، الإزالة الكاملة للأسلحة النووية والترويج لها وأخيراً الاجتماع رفيع المستوى لاستعراض التقدم المحرز في تلبية أولويات الدول الجزرية الصغيرة. هذا بالإضافة إلى قمة واحدة دعي لها الأمين العام للأمم المتحدة وهي «قمة العمل المناخي» التي ستخصص كثيراً من وقتها للنظر في مخاطر حرائق غابات الأمازون في البرازيل التي أصبحت هاجساً يقلق العالم بأسره.
الجانب الإنساني؛ حاضر بقوة في عدة مواضيع ومن أهمها: اليمن والروهينغا، الذين سخرت لهم كثير من الدول جهودها الإنسانية. وفي مقدمة تلك الدول السعودية ممثلة بمركز الملك سلمان للإغاثة. الذي أصبح محط أنظار العالم بمهنتيه وإنجازاته المدهشة. وسوف ينظم فعاليات ومعارض متزامنة مع انطلاق هذه الدورة. هناك مؤتمر في يوم 24 سبتمبر حول مسألة الروهينغا، ندوة بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم 27 سبتمبر تركز على جهود المملكة تجاه اللاجئين، كما يقيم المركز معرضا في البهو الرئيسي لمبنى الأمم المتحدة يعرف بإنجازاته. هذا المركز الرائد لا يمنح المال فحسب بل يؤسس لتنمية مستدامة، ما برحت الأمم المتحدة بكل مؤسساتها الإنسانية والتنموية تدعو لها.
في عشية انطلاق أعمال الجمعية العامة كل عام، يتلاشى العالم بكل كياناته السياسية ويصبح منصهراً في قاعة الجمعية العامة المرمرية الخضراء ولو مجازاً لعدة أيام لتبقى الحياة دعوة صريحة للتعايش بين البشر بكل أطيافهم (... وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) رغم ضجيج بعض الأشقياء!
السؤال: هل يوجد بديل عن الأمم المتحدة؟ بعد تراجع دور المنظمات الإقليمية التي كانت تعد رافداً لها. وتفكك تكتلات عملاقة ترعرعت في كنف الحرب الباردة، مثل حركة عدم الانحياز ومجموعة 77+ الصين... أعتقد أن الأمم المتحدة هي الخيار المتاح الذي يجب دعمه حتى يتم إصلاحه، بدءاً من مجلس الأمن وآليات عمله لا سيما حق النقض (الفيتو).
- كاتب ودبلوماسي سعودي