طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«التلات» بين دياب وعبد المطلب

نجح عمرو دياب كعادته في إثارة الجدل، دون أن يخدش الحياء، حيث غنى ليوم الثلاثاء، لم يكتف بهذا القدر، بل أضاف في نهاية «الكوبليه» الأخير «فتفتوا الفتافيت وفتنوني»، وبرغم أن شاعر الأغنية أراد تغييرها إلى «هما أحلى ما شفت بعيوني»، ولكن دياب تشبث بـ«الفتفتة» وجدها سترشق أكثر، في قلوب الناس، التركيبة الشرقية الذكورية تأبى عادة أن تتقبل عزومة من بنت فما بالكم بثلاث، الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا، إلا أن عمرو لم يعر الأمر اهتماماً، وكما يقولون في المثل المصري «عمل نفسه من بنها»، ولكن قبل أن نسترسل، علينا أن نبحث عن إجابة، لماذا الثلاثاء؟ عبد المطلب «ملك الموال» المطرب الشعبي الكبير غنى في الستينيات «السبت فات والحد فات - وبعد بكرة يوم التلات»، نغني عادة في عالمنا العربي ليوم الخميس، لأنه يعقبه الجمعة، إجازة، ولهذا يحلو فيه السهر وإقامة حفلات الزفاف، ولكن الثلاثاء ما الذي يميزه؟. الغناء ليوم الثلاثاء يعد خروجاً على المألوف، وربما هذا ما شكل حافزاً للغناء!
قبل 60 عاماً ردد عبد المطلب «يا نجمة الفجر قولي له - طول السهر أضنى خليله - خليه بقى يتم جميله - ويهل بدري يوم التلات)، بينما عمرو دياب بلا مواربة يقول «يوم تلات، تلات بنات – ندهوني - ع البساط بصات - يا ناس عجبوني - قعدة وانبساط - غدا وعزموني).
فارق قطعاً في الزمن، عمرو دياب بذكاء يراهن على ما هو مثير، مثلما فعل قبل عام، وغنى لبرج «الحوت»، وتطايرت الأسئلة، لماذا من بين أبراج الدنيا الاثني عشر، وقع اختياره ع «الحوت»، وتوقعوا أنه برج الفنانة دينا الشربيني، وهو ما ثبت صحته فعلاً.
المطربون عبر كل الأزمنة يقدمون أغاني خفيفة، حتى أساطين الغناء مثل عبد الوهاب الذي غنى مثلاً (فيك عشرة كوتشينة في البلكونة - بصرة باشكة عادة مجنونة - لاعبني عشرة إنما برهان)، لو حاكمت الأغنية أخلاقياً، لقدمت عبد الوهاب للمحاكمة، لأنه يدعو للقمار المحرم والمجرم دينياً وقانونياً، ولكنهم في الثلاثينيات تسامحوا معه، مثلما غنى بعدها بعشر سنوات في فيلم «رصاصة في القلب»، واحدة من أشهر أغانيه «الميه تروي العطشان» وتم تصويره وهو في «البانيو»، ويومها اعتبروها جرأة غير مقبولة وتحطيم للذوق العام، ولكن محمد كريم مخرج الفيلم دافع عن موقفه، حيث كانت الدنيا حر والبطل في طريقة لأخذ حمام.
يزداد في عالمنا العربي معدل إنشاء الفضائيات وكثرة عدد الأغنيات، ملاحقة كل هذا العدد الضخم بات من أصعب المعضلات، وهكذا تساقط في الطريق عشرات من الأصوات، ونسيها تماماً الناس، الوجود يحتاج إلى ذكاء خارق، وقدرة على لفت الانتباه بالكلمة واللحن و«اللوك»، فما بالكم بالبقاء على القمة ثلاثة عقود من الزمان.
غنى عبد الحليم «فاتت جنبنا - أنا وهو - ضحكت لنا - أنا وهو»، وفي النهاية نكتشف أنها كانت تضحك للأسمر عبد الحليم حافظ، حكاية من سبعينيات القرن الماضي، المرأة هي التي ضحكت أولاً، وبعد نحو نصف قرن لا بأس من أن تتقبل أن تبدأ ثلاث بنات البصات (النظرات)، ثم تتشاركن الثلاثة في دفع الحساب، وهو عايش «طرزان» من «بنها»!