مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

فحص برجليه واستلقى على قفاه

إنني أريد أن أضع أمامكم دون تدخل أو (رتوش) هذه المحاكمة التي استقيتها من كتب التراث، وجرت على يد شيخ طلق لين العريكة يقال له: ابن أبي ليلى، وأثناء المحاكمة ظهرت مواهب النساء على حقيقتها عندما يتصدّين لبعضهن بعضاً دون أي شفقة أو رحمة.
كانت المشكلة بين امرأة عجوز وفتاة حسناء.
فقالت الفتاة للقاضي، إن هذه عمتي وأنا أسميها أمي لكبر سنها، وإن أبي مات وخلف مالاً وخلفني في حجرها، فجعلت تحسن التدبير في المال وتوفره عليّ إلى أن بلغت مبلغ النساء، فخطبني ابن عم لي فزوجتني منه، فكان بي وبه من الحب ما لا يوصف، ثم إن ابنة لعمتي هذه أدركت، فجعلت عمتي ترغب زوجي فيها فتاقت نفسه إليها فقالت له: لست أزوجها حتى تجعل أمر بنت أخي في يدي، فقال لها: قد فعلت، فلم أشعر حتى أتاني رسولها فقال: عمتك تقرئك السلام وتقول لك إن زوجك خطب ابنتي وإني أبيت أن أزوجها منه حتى يجعل أمرك في يدي ففعل ذلك، فأنت طالق، فحمدت الله تعالى على ما بليت به، وأن زوج عمتي هذه قدم من سفر، فسألني عن قصتي، فأخبرته، فقال: تزوجيني نفسك؟ فقلت: نعم على أن تجعل أمر عمتي في يدي، قال: قد فعلت، فأرسلت إلى عمتي أن زوجك قد خطبني وأني أبيت عليه حتى يجعل أمرك في يدي، ففعل، فأنت طالق!
فضحك القاضي، فقالت العجوز: لا تضحك أيها القاضي، فالذي بقي أكثر وأعظم.
فقالت الشابة: ثم إن زوج عمتي مات، فجعلت تخاصمني في ميراثه، فقلت لها هو زوجي، وأنا أحق في ميراثه، فأغرت ابن عمي ووكلته بخصومتي، ففعل، فقلت يا ابن العم إن الحق لا يستحى منه، وقد صلحت لك إذا نكحت زوجاً، فهل لك في مراجعتي؟، وكان عليّ أشد ما يكون رغبة وأعظم محبة، ثم قال: أوتفعلين؟ قلت: على أن تجعل أمر بنت عمتي بيدي، قال: قد فعلت، فأرسلت إلى بنت عمتي أن زوجك قد خطبني وإني أبيت عليه حتى يجعل أمرك في يدي ففعل، فأنت طالق.
فقال القاضي: نعم، التعس والنكس لك، ثم ركب القاضي إلى الخليفة المنصور وأخبره، حتى ضحك وفحص برجليه الأرض واستلقى على قفاه، ثم استقعد وقال: أبعد الله العجوز ولا فرج عنها - انتهى.
إنني أتساءل بجدية لماذا يا ترى الخلفاء قديماً، كلما ضحك أحدهم فحص برجليه واستلقى على قفاه؟!
أجيبوا عن سؤالي يرحمكم الله.