د. حسن أبو طالب
كاتب مصري، يكتب في «الشرق الأوسط» منذ 2019. يعمل حالياً مستشاراً بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وعضو الهيئة الاستشارية العلمية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، مُحكم ومستشار أكاديمي في العديد من مراكز البحوث العربية والدولية، وكاتب صحافي في جريدة «الأهرام». عمل سابقاً رئيساً لمجلس إدارة «مؤسسة دار المعارف»، ورئيس تحرير «مجلة أكتوبر» الأسبوعية، ومدير «مركز الأهرام الإقليمي للصحافة»، ورئيس تحرير «التقرير الاستراتيجي العربي» الذي يصدره مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ونائب رئيس تحرير «الأهرام».
TT

كشمير بين الضم والتقسيم... لماذا الآن؟

رغم كل الانتقادات التي يمكن أن توجّه إلى قرار الحكومة الهندية بشأن إلغاء المادة 370 من الدستور، التي كانت توفر لإقليم جامو وكشمير وضعاً خاصاً تحت الإدارة الهندية، فإن القرار بمثابة قطعة حجر كبيرة هزّت المياه الراكدة فيما يتعلق بمصير الإقليم من جهة، ومستقبل العلاقات الهندية - الباكستانية من جهة أخرى، فضلاً عن الارتدادات بالنسبة لوضع الحكومة الهندية نفسها.
فمن جهة، أضفى إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، ثم تقسيم الولاية إلى اثنتين في إطار الاتحاد الهندي، الأولى جامو وكشمير بصلاحيات تشريعية، والثانية لاداخ، ذات الأغلبية البوذية، من دون صلاحيات تشريعية، وتبعيتها المباشرة للمركز، أدى إلى إلحاق الولايتين الجديدتين للتشريع الهندي، وباتا جزءاً من الاتحاد، كما أصبحت الصلاحيات الخاصة ببرلمان الإقليم في سنّ التشريعات ليست مطلقة، وأصبحت الولاية مؤهلة لاستقبال المواطنين الهنود وتوطينهم، أياً كان دينهم أو عرقيتهم، وأصبح حقّ التملك في الولاية متاحاً للجميع، إذ انتهى الحق الحصري لأبناء الإقليم في التملك، الذي كانت تضمنه المادة «35 أ». وفي الإجمال؛ هو وضع جديد بالنسبة لسكان جامو وكشمير، وأغلبيتهم مسلمون، كانوا ينتظرون يوماً ما تطبيق قرار الأمم المتحدة 1948 بإجراء استفتاء بشأن تقرير المصير، والذي عَوّل عليه السكان، ولا سيما المسلمين، كثيراً في الحصول على الاستقلال.
نلاحظ هنا أن القرار الدولي كان يلزم الهند إجراء استفتاء حقّ تقرير المصير، ولكن لم يحدث طوال العقود السبعة الماضية ما يشير إلى أن هناك نية هندية لإتمام هذا الاستفتاء. ويلاحظ أيضاً أن اتفاقية سيملا 1972 التي وقّعتها الهند وباكستان بعد حرب، أدت إلى انفصال القسم الشرقي من باكستان، وتشكل دولة بنغلاديش، بدعم هندي مباشر، قد أقرّت مبدأين لتطبيع العلاقات بوجه عام، وتجاه مصير كشمير بوجه خاص؛ الأول أن يكون الحل ثنائياً، أي لا علاقة بقرارات الأمم المتحدة السابقة، وثانياً اعتبار خط السيطرة بمثابة خط للهدنة بين البلدين، إلى حين التوصل إلى صيغة نهائية يقبل بها الطرفان. المبدآن معاً عطلا عملياً حق تقرير المصير.
السياسة الهندية من جهتها لم تقبل أبداً أن يكون هناك طرف ثالث، سواء الأمم المتحدة أو أي طرف دولي بوزن الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي سابقاً، لتسهيل عملية التفاوض بينهما. كما أن ثقة الهند في أنّ توازن القوى التقليدي مع باكستان هو لصالحها، أعطاها أفضلية في استمرار الوضع على ما هو عليه منذ 1972.
وفي بعض الأوقات طُرح وبطريقة غير رسمية أن يتم تحويل خط السيطرة في كشمير إلى خط حدود نهائي بين البلدين، ما يعنى قبول كل طرف أن يضم الطرف الآخر القسم من كشمير الذي يسيطر عليه فعلياً، الأمر الذي رفضته باكستان بقوة لعدة أسباب؛ أولها أن قبول باكستان لمبدأ التقسيم والضم، يتنافى تماماً مع المبادئ التي تتمسك بها إسلام آباد في دعم خيار السكان المسلمين للحصول على استقلالهم، ويتنافى أيضاً مع المسؤولية الخاصة التي تتمسك بها باكستان في توحيد الإقليم واستقلاله عن الهند.
وثانياً أن الاعتراف بضم الهند إقليم جامو وكشمير، الذي يمثل 64 من المائة من مساحة الإقليم كله، يعني بشكل أو بآخر الاعتراف بسيادة الهند على المنطقة الكبرى من ناحية، والمنطقة التي تنبع منها الأنهار الثلاثة الرئيسية الكبرى، التي توفر المياه للزراعة في باكستان، ما يمثل تهديداً مباشراً لا يمكن قبوله.
وثالثاً أن باكستان لا صلة لها بحركة التمرد، التي يقوم بها سكان الولاية ضد الوجود الهندي، وأن كل ما تقدمه يدخل تحت بند الدعم المعنوي والدعائي لحق السكان في الحصول على استقلالهم.
ومن ثم يمثل القرار الهندي بضم وتقسيم جامو وكشمير إلى ولايتين، إشكالية كبرى لإسلام آباد على الصعيدين العملي والمبدئي. والمهم ملاحظة أن التحركات الباكستانية تصرّ على دائرة الحركة الدبلوماسية، من خلال الأمم المتحدة والسبل الدعائية، مع إشارات بخطورة الوضع إذا ما تحول إلى مواجهة عسكرية بين قوتين نوويتين، ومحاولات لإقناع القوى الدولية المؤثرة بالضغط على الهند لمراجعة موقفها.
الهند لديها أوراق تصرّ على توظيفها جيداً لتمرير القرار باعتباره شأناً داخلياً خالصاً لا علاقة له بقرارات دولية، تمّ تجاوزها في الواقع. إحدى أهم هذه الأوراق تتمثل في حالة السيولة الدولية الراهنة، وقيام دول كبرى كالولايات المتحدة باتخاذ قرارات أحادية في مشكلات وقضايا وصراعات تحكمها قرارات دولية باتت عصية على التطبيق، وما فعله رئيس الوزراء الهندي مودي يماثل من حيث الشكل ما فعلته واشنطن تجاه القدس من حيث تغيير طبيعتها القانونية ووضعيتها في الصراع بين الأطراف المعنية. وفي السياق الإقليمي الدولي ثمة تركيز على مواجهة التنظيمات الإرهابية وتلك التي توظف العنف لأغراض سياسية، وهو ما تراه نيودلهي منطبقاً على الجماعات التي تنادي باستقلال كشمير. يضاف إلى ذلك أن التغيرات في السياسة الأميركية تجاه آسيا بوجه عام وتجاه الصين بوجه خاص. واقتراب واشنطن أكثر من نيودلهي في سياق الاستعداد لمواجهة الصين، يضع قرار ضم جامو وكشمير في خانة القرارات غير المكلفة سياسياً للهند دولياً.
داخلياً، هناك كثير من الدوافع التي لعبت دوراً مؤثراً في قرار ضم جامو وكشمير، كالرؤية الآيديولوجية التي يتميز بها حزب بهاراتا جاناتا، والتي تعتمد مبدأ التفوق الهندوسي على ما عداه، وهو ما يتفق مع رؤى الأحزاب القومية الهندية بوجه عام، ما جعل القرار محل ترحيب داخلي واسع، وساعد في التغطية على بعض المشكلات الاقتصادية التي تواجه حكومة مودي، فضلاً عن طموحه الشخصي في النظر إليه كشخصية قومية تاريخياً على الصعيد الهندي كله، من خلال مواجهة قضية عصيت على كثير من رؤساء الحكومات السابقين.
بيد أن الأمور ليست في اتجاه واحد دائماً. ففي كلمة مودي التي فسر فيها دوافع قرار ضم جامو وكشمير، ركّز على ما سماه طموحات الشباب الكشميريين، وكيف أن القرار الجديد سوف يمنحهم التعلم والاستثمارات والتنمية والتطور، وسوف يخلصهم من تأثيرات المادة 370 والمادة «35أ»، اللتين تسبّبتا في شيوع الانفصالية والفساد والإرهاب وحكم الأسرة. ولم تظهر أي إشارات إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتغيير نمط تعامل الأمن الهندي مع سكان كشمير، ما يجعل الثقة في حدوث تحسن في ظل الوضع الجديد محل شك كبير، ولا سيما لدى الأجيال الجديدة، التي تقود التمرد والاحتجاج منذ العام 2016 وإلى الآن.