عبد الله الدردري
- الممثل المقيم لـ«البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة» في أفغانستان - خاص بـ«الشرق الأوسط»
TT

«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» في أفغانستان وأولوية التنمية

يقول المثل اللاتيني: «الزمن يتغير»، ونحن نتغير بتغير الزمن من حولنا. إذ أن وتيرة التغيير تتسارع على النواحي والاتجاهات كافة في أفغانستان. ولأول مرة منذ سنوات، يسري شعور أصيل بالأمل في بلوغ غاية السلام في المستقبل القريب، وأنه يمكن لتلك البلاد أخيراً أن تنفض عن كاهلها أعباء وقيود الصراع الدموي الذي كثيراً ما أعاق جهود التنمية السياسية والاقتصادية لفترات مطولة من الزمن.
كان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعمل في أفغانستان منذ قرابة خمسين عاماً، وباتت وتيرة أعماله في البلاد تشهد تسارعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة لتلبية متطلبات العالم المعاصر - عالم الذكاء الصناعي، وقواعد البيانات المتسلسلة، والضرورات المناخية الملحة، ومواكبة سرعة انطلاق المشهد التنموي المتطور في كل مكان؛ الأمر الذي تعذر إدراكه منذ تاريخ بدء عمل البرنامج الأممي في البلاد، اعتباراً من ستينات القرن الماضي.
واتساقاً مع الرؤية التي صاغها السيد آخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وفي سياق الغايات والأهداف الطموحة التي وردت في خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة بالمنظمة، فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الجديد أصبح يتابع منهجاً مختلفاً تماماً من حيث تنفيذ المخطط له من برامج ومشاريع في أفغانستان.
وعلى نحو موجز، يستند المنهج المشار إليه على أداتين: عرض المشاكل عبر عدسة المنهج القائم على النظم، ومعالجة المشاكل من خلال منهج «المنصات». وتعني عدسة المنهج القائم على النظم اعتبار المشاكل جزءاً من نظام مركَّب ومتعدد الجوانب. وهذا من المناهج الضرورية نظراً للطبيعة المعقدة التي تتصف بها مشكلات التنمية، والتي يتزايد مستوى تعقيدها بمرور الأيام. وتكمن النقطة الرئيسية في أهداف التنمية المستدامة في أنه يتعذر تناول مشكلة واحدة بمعزل عن المشاكل الأخرى: إذ إن المشاكل تترابط بطرق لا تتسنى ملاحظتها على الفور، وربما لا ندركها تمام الإدراك في حينها.
ولأسباب تاريخية معروفة، تميل الجهات الفاعلة في مجال التنمية إلى التعامل مع مشكلة كبيرة - مثل الفقر - بمعزل عن سواها من المشكلات. لكن كيف يمكن علاج مشكلة الفقر بعيداً عن التفكير في قضية الحكم، أو سيادة القانون، أو الدور الذي يلعبه الفساد على أرض الواقع؟
ومن شأن الاستعانة بـ«المنهج القائم على النظم» في تناول مشكلات التنمية أن يساعدنا وبصورة أفضل في التصدي للتعقيدات ذات الصلة. ويمكن لـ«المنهج القائم على النظم» النظر في كيفية تأثير المساواة بين الجنسين على الحد من مشكلة الفقر، أو كيف تؤثر الطوارئ المناخية على سبل العيش والتوظيف في البلاد. من خلال وضع هذه العوامل كافة في الحسبان يمكننا العمل على تطوير الحلول الفعالة والمستدامة.
كما يلزمنا، إن أردنا فعلاً تحقيق التغير المستدام، إرساء أسس التعاون بين الشركاء وأصحاب المصالح - مثل الأمم المتحدة، والأطراف المعنية، والمنظمات غير الحكومية، والحكومة، والمجتمعات المحلية. ونعني بمصطلح «مستدام» تلك التنمية التي لا تقترض من المستقبل كي تسدد تكاليف الحاضر، مثالاً باستغلال الموارد البيئية الثمينة.
ويعتني «منهج المنصات» المشار إليه، بمحاولة الابتعاد عن المشاريع المنعزلة (وهي الطريقة التي كانت تجري التنمية وفقاً لها في الماضي) وإدماج الجهات الفاعلة في المجتمع بأسره لتحفيز وإحداث التغيير المنشود. وتعني سمعة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كجهة دولية محايدة، فضلاً عن خبراتها العالمية الكبيرة والمكتسبة على مدار السنين، أنه يملك الوضعية المميزة التي تمكنه من معاونة الحكومة الأفغانية على التواصل عبر الوزارات وشركاء التنمية بغية تعزيز «الحكومة الشاملة» و«المجتمع الشامل» ومجموعة الاستجابات المعنية بهدف بلوغ غاية التغيير التحويلي المنشود.
ويُستكمل «منهج المنصات» المذكور بعد أساليب جديدة من التمويل المبتكر الهادف لكسر قيود رؤوس الأموال غير المستغلة في السابق. ويشتمل ذلك على اختبار مخططات التمويل المدمجة والمبتكرة، والعمل مع القطاع الخاص على تعبئة التمويل التجاري لخدمة التنمية المستدامة في البلاد.
ومن شأن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العمل كذلك مع الحكومة الأفغانية على صياغة الظروف الاقتصادية اللازمة لدعم السلام ورفع مقدرة الحكومة على جمع الأموال بصورة مستقلة لدعم جهود التنمية وإسنادها.
وإذا كانت التغييرات المذكورة آنفاً تتسم بالطموح؛ ذلك لأنها فعلاً كذلك. بيد أن أفغانستان، ومن واقع دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لا يمكنها الأمل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عن طريق تدني آفاق الأهداف المنشودة.
إننا نحتاج إلى أن نتصور سوية شكل البلاد التي نريد لأفغانستان أن تكون عليها بعد 10 أو 15 عاماً من الآن – أي الدولة التي تعتمد على نفسها مالياً، ولا تعتمد مجدداً على المساعدات الخارجية الدولية في ضبط ميزانيتها. والدولة التي تسير فعلياً على سبيل التنمية المستدامة، وتلبية احتياجات الأجيال الحالية، من دون المساس بحقوق الأطفال والأحفاد من الأجيال المقبلة.
يدرك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الضرورة الملحة للتحديات الراهنة، والمهمة الهائلة التي تنتظر أفغانستان إن هي أرادت تحقيق هذه الطموحات، ونحن بصدد تنظيم أنفسنا سريعاً ضمن الأسلوب الذي يساعد على الوفاء بتلك الوعود.

- الممثل المقيم لـ«البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة» في أفغانستان
- خاص بـ«الشرق الأوسط»