جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

إيطاليا بين حجَري رحى

التقارير الإعلامية تؤكد وجود أزمة ديموغرافية في عموم بلدان أوروبا، ناشئة عن انخفاض معدل المواليد الجدد. والتقارير نفسها تؤكد الحاجة إلى إيجاد تدابير عاجلة لحل الإشكالية، أو للحد من تناميها، وسرعة تفاقمها. وإلى حد الآن الحلول المنشودة، غير متوفرة، لأن الظروف الاقتصادية اللازمة لوجودها، غير متوفرة. وفتح الأبواب أمام المهاجرين عموماً، والأفارقة، على وجه الخصوص، ليس من ضمن الحلول.
واستناداً إلى ذات التقارير الإعلامية، فإن الأزمة، حقيقة، ليست حكراً على أوروبا، إلا أن مؤشراتها أكثر بروزاً فيها من قارات العالم الأخرى. ذلك، أن معدلات الخصوبة (عدد الأطفال الممكن ولادتهم لكل امرأة لو أنها تعيش إلى نهاية سنوات قدرتها على الإنجاب) انخفضت وتواصل الانخفاض. خلال السنوات الخمسين الأخيرة، كان معدل الخصوبة عالمياً 5%، انخفض إلى أكثر من النصف. وهناك دول مثل الصين ما زال البديل أقل من الفاقد.
لكن الدولتين الأوروبيتين الأكثر تضرراً منها هما إيطاليا والمجر. والأزمة فيهما مركبة لأنهما دولتان بقيادات يمينية شعبوية؛ في إيطاليا ماتيو سالفيني، رئيس الرابطة الشمالية، ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية. وفي المجر، فيكتور أوربان، رئيس الحكومة.
في بريطانيا، التي تعد نسبة معدل الخصوبة فيها أعلى من غيرها في أوروبا، يولد طفل كل 39 ثانية، ويموت شخص كل 52 ثانية، ويضاف مهاجر كل 3 دقائق. مما يعني زيادة شخص كل 3 دقائق. لكن في إيطاليا، فإن معدل زيادة المواليد هو واحد كل 60 ثانية، ويموت شخص كل 50 ثانية، وتخسر مهاجر كل 7 دقائق، مما يعني، إحصائياً، خسارة شخص كل 7 دقائق.
وهذا بدوره يقود إلى حقيقة أن سكان إيطاليا، خلال السنوات الخمس والأربعين القادمة، سوف يصل عددهم إلى 53 مليون نسمة، أي بنقص يصل إلى 7 ملايين نسمة. وفي المجر التي يقل عدد سكانها عن إيطاليا فإن تعدادهم في تناقص خلال العقود الأربعة الماضية، حيث يُفقد شخص كل 16 دقيقة، مما يعني خسارتهم ما يقرب من 40 ألف مواطن سنوياً.
في المجر، تبنّت الحكومة الشعبوية سياسة مالية تشجع على الإنجاب، وذلك بإعفاء كل أم تنجب 4 أطفال من دفع الضرائب. إضافة إلى قيام الحكومة، بتحمل جزء من قيمة تكاليف تنشئة الأطفال، وكذلك بدفع جزء من قيمة شراء سيارة عائلية تسع 7 ركاب.
في إيطاليا السنيور سالفيني، بلد الحب والرومانسية، الذي يفترض أن يعاني من مشكلة زيادة المواليد، تزداد مشكلة انخفاض نسبة معدلات المواليد تفاقماً، والحلول المتبناة وُلدت شبه ميتة. في واحدة من تغريداته العديدة، على «تويتر»، كتب سالفيني يقول ليس ممكناً إعمار كالابريا، وسردينيا، وترينتينو سكانياً بالمهاجرين. وإن ما نحتاج إليه هو المزيد من المواليد الطليان، «وليس بإحضار أجزاء من أفريقيا إلى إيطاليا».
أعداد المواليد، وفقاً لتقارير صادرة عن الحكومة الإيطالية، وصلت، في العام الماضي، إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1861. نسبة الفاقد في المواليد، تفاقمت سنوياً، وبلغت 440 ألفاً، في حين أن أعداد الموتى وصلت إلى 193 ألفاً.
سالفيني، وزير الداخلية، ونائب رئيس الوزراء، كما هو متوقع، ألقى باللوم على المهاجرين، واعتبرهم سبباً للأزمة الديموغرافية، لأن وجودهم، أدى إلى انخفاض الأجور.
أيام الحكم الفاشي، بقيادة الدوتشي موسوليني، في الفترة ما بين 1921 و1943، لجأت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات مختلفة. وعلى سبيل المثال فرضت ضرائب على كل رجل أعزب يختار حياة العزوبية. كما قررت أن يكون عدد 5 أطفال هدفاً يجب على كل عائلة السعي نحوه، وتحقيقه. وكانت كل أم تنجب أكثر من هذا العدد تُمنح وساماً.
وفي عهد الشعبوي سالفيني، لم تجد الحكومة الحالية حلاً أفضل من الوعد بمنح قطعة أرض زراعية لكل أسرة تتكون من الأبوين وثلاثة أطفال. لكن الحكومة تعرضت لانتقادات شديدة، واعتُبرت غير جادة في تقديم حلول لوقف التدهور في عدد السكان.
عدد سكان إيطاليا وصل إلى 60.3 مليون نسمة منهم 8.7 مليون مهاجر. باستقطاع عدد المهاجرين، عدد السكان نقص 677 ألف نسمة. التناقص في العدد كان متخفياً وراء أعداد المهاجرين، لكن منذ بدء تنفيذ سياسة منع الهجرة، سقط القناع، وتبين للجميع أن إيطاليا تعاني أزمة حقيقية في انخفاض نسبة معدلات المواليد.
الانخفاض، كما يقول البعض، كان نتيجة للأزمة الاقتصادية عام 2008، إلا أن الأكاديميين الإيطاليين يُرجعونه إلى أن الإيطاليين صاروا يرون الأطفال عبئاً اقتصادياً مكلفاً، وليس مصدر استثمار للمستقبل.
في شهر أبريل (نيسان)، من هذا العام، استضافت مدينة فيرونا الإيطالية المؤتمر الدولي للأسرة، بغرض الحث على نبذ القيم الأسرية المعاصرة، والعودة إلى قيم الماضي. وأقرت، في السنة السابقة، تشريعاً يحظر الإجهاض قبل قيام الأم بالتواصل والتشاور مع الجمعيات الأهلية المناوئة للإجهاض.
السنيور سالفيني مطلق. لذلك، ولتكتسب سياسته الأسرية مصداقية، عليه أن يكون قدوة، بأن يضحي بمباهج حياة العزوبية، ويتزوج ثانية، بهدف تكوين أسرة كبيرة العدد، تؤهله للحصول على قطعة أرض زراعية مجانية!