دانيال موس
TT

حتى المنتصرون في حرب التجارة يمكن أن يخسروا

في الحرب، حتى المنتصرون يدفعون الثمن. تأخر وصف فيتنام كمستفيد واضح من الصراع التجاري الدائر بين الولايات المتحدة والصين إلى أن يجري التحقق من الواقع.
تحدث الرئيس دونالد ترمب بلغة مبتذلة عن فيتنام بطريقة لم نعهدها من قبل سوى في حديثه عن الصين والمكسيك. فقد ذكر ترمب في تصريح لشبكة «فوكس بزنس نيوز» الإخبارية الأسبوع الماضي أن «فيتنام هي أسوأ معتدٍ على الإطلاق»، في تحول صريح لموقفه بداية العام الحالي عندما امتدح فيتنام ونصح كوريا الشمالية بالسير على خطاها.
تتبنى فيتنام الشيوعية سياسة صناعية تعتمد على الأجور المتدنية لعمال المصانع وتحقيق فائض تجاري متزايد على غرار الصين خلال السنوات الماضية، وهو ما ذكرته هنا في نفس هذه الصحيفة في مايو (أيار) الماضي. تعتبر فيتنام البديل الصغير للصين، وهو ما يصبُّ في صالح الأولى، فقد تمتعت فيتنام بعلاقات ودية مع أميركا في السنوات الأخيرة، ومع ذلك فإن لعبة الصراع التجاري ستكون لها تكلفتها الخاصة كما أن لها فوائدها.
إن اعتبرت نفسك حلقة أساسية في سلسلة التصدير فسوف تصبح عرضة للخطر عندما يتراجع الطلب العالمي، ذلك لأن الاندفاع نحو التوسع في التصنيع يمكن أن يتسبب في توترات داخلية، مثل تجميع المصانع في مناطق صغيرة نسبياً، والهجرة المحلية واسعة النطاق وما يمثله ذلك من ضغط كبير على البنى التحتية. كذلك من الصعب أن تستمر الأجور عند مستوى منخفض إلى الأبد.
في حال تلاشت تعليقات ترمب الشديدة بعد حالة الود الجديدة التي نشأت بينه وبين الزعيم الصيني شي جينبينغ، فمعنى هذا أن وزارة التجارة الأميركية قد نجحت في لفت انتباه فيتنام الثلاثاء الماضي الماضي. فقد أقر حكم مبدئي فرض ضريبة تتخطى 400 في المائة على واردات الصلب الصينية. الخلاف هو أن الشركات في كوريا الجنوبية وتايوان تتجنب الرسوم المرتفعة من خلال توجيه الصلب عبر فيتنام، حيث تخضع لبعض عمليات التكسير والثني قبل شحنها إلى الولايات المتحدة.
ضربت التجارة على نقطة الضعف الرئيسية في فيتنام حيث تتدفق الكثير من السلع من الصين إلى فيتنام في ظل رفع الشركات من عمليات الشراء وزيادة الإنتاج لتجنب الرسوم الجمركية المرتفعة. يعود ذلك جزئياً إلى أن البضائع الصينية الصنع تصل إلى فيتنام للتجميع النهائي قبل التوجه إلى الوجهات النهائية في أميركا.
تلك هي سلسلة التوريد الرئيسية في العالم، ومعنى ذلك أن كل شيء مرتبط ببعضه. من الممكن أن يتطور تعريف ترمب «صنع في الصين»، ومن ثم ستجد فيتنام نفسها تحت الأضواء.
لكن ينبغي على من يقومون بتعزيز فيتنام توخي الحذر فيما يرغبون في تحقيقه. قد ارتبطت الكثير من الزيادة في الفائض التجاري للبلاد مع الولايات المتحدة العام الماضي بالسلع الخاضعة للتعريفة الجمركية - إذا كانت قادمة من الصين. وارتفعت حصة فيتنام من الواردات الأميركية، مقارنة بالصين، في العديد من الفئات أهمها الهواتف وقطع الغيار وألياف النسيج والأثاث والمنتجات الخشبية والأحذية.
تزامن دور فيتنام المعلن مع تباطؤ النمو العالمي الذي ألحق ضرراً بالتصنيع. ومن المحتمل أن تنمو إجمالي صادرات البلاد بواقع 6.5 في المائة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019. وهذا ليس بالأمر السيئ، وإن كان أقل كثيراً من نسبة 13.2 في المائة التي تحققت العام الماضي، وفق تقرير للبنك الدولي الذي صدر الأسبوع الجاري. الهواتف، وهي أكبر نسبة لصادرات سلعة واحدة حيث تبلغ نسبتها نحو 20 في المائة من إجمالي الصادرات، هي الأخرى تعرضت للانخفاض. والأحذية والملابس وأجهزة الكومبيوتر هي الأخرى لم تحقق نمواً سريعاً بسبب تراجع الطلب العالمي.
الدرس هو أنه يمكنك الضغط على نفسك كقوة تصدير لتفعل كل ما تريد، لكن يجب أن تكون هناك طاقة لتفعيل الفكرة.
هناك أيضاً السلاسل الداخلية، فكما يلاحظ البنك الدولي، فإن آلة التصدير تتركز في نحو 10 مقاطعات في فيتنام من بين إجمالي 63 مقاطعة، مثل المراكز الاقتصادية حول هانوي وحول مدينة هو تشي مينه. وتخلق جغرافية التنمية غير المتوازنة عقبات وتحديات لوجيستية أخرى، وليس أقلها الحاجة إلى إدارة زيادة الهجرة الداخلية.
يتشابه كل ذلك مع الصين، أليس كذلك؟ من المؤكد أن ماليزيا تنظر إلى فيتنام وترى شيئاً يشبه العملاق الصناعي الصاعد في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. أثيرت هذه الموضوعات بلا اكتراث خلال اجتماعين مع المسؤولين الحاليين والسابقين في كوالالمبور وبينانغ الشهر الماضي.
في جزيرة بينانغ قبالة الساحل الشمالي الغربي لشبه الجزيرة الماليزية، أقامت الحكومة منطقة صناعية في أوائل سبعينيات القرن العشرين واجتذبت شركات تصنيع مثل «أنتل كورب» و«ديل» ولا تزالان تعملان هناك، ناهيك عن شركات الإلكترونيات والتكنولوجيا بما في ذلك شركة «إجيلانت تكنولوجيز إنك».
وإذا كان هناك من يدرك التهديد الذي تمثله فيتنام، فهم جيرانها في جنوب شرقي آسيا مثل ماليزيا.
في ساحة الانتصار والهزيمة التجارية، عليك بتوخي الحذر.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»