علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

حكاية مقال لم يكتب

الأربعاء 10 سبتمبر (أيلول)، فترة الظهيرة، إذاعة الـ«B.B.C»، خبر على شريط الأنباء، جماعة إرهابية تقتل ابن أحد المستشارين أمام منزله، الابن شاب في الواحد والعشرين من عمره، بدأت أشعر باضطراب شديد، هذا تطور في مجرى الأحداث الإرهابية ينذر بخطر أشد، ولكن ما هي التفاصيل؟
سأنتظر المذيع فلا بد أنه سيذكر تفاصيل الخبر، ولكن ذلك لم يحدث، بدأت أفكر في فكرة مقالي الجديد وعنوانه المفترض هو «الناس شركاء في الأمن». وفي انتظار أول برامج الـTalk shows في المحطات المصرية، أخذت أفكر في عناصر المقال وأحاول ترتيبها في عقلي. الفكرة الأساسية في المقال هي ضرورة أن تعرف الناس وبشكل واضح أن الأمن عاجز عن القيام بواجبه بشكل فعال بغير أن يتلقى مساعدة مباشرة من المجتمع نفسه أي من الناس، على وزارة الداخلية وعلى مسؤولي البرامج أن يقولوا للناس بشكل بسيط وواضح وبغير خطابة.. ربما نستطيع حل قضية ما في شهر كامل أو أكثر من البحث والتحري، وربما نستطيع الوصول إلى القتلة في حادث إرهابي بعد عمل شاق لأسابيع طويلة، غير أنه بمساعدتكم أنتم نستطيع القبض على هؤلاء القتلة في ساعات.. أيها السادة أنتم شركاء في الأمن.. أمنكم. هؤلاء القتلة يعيشون بيننا لا بد أن بعضكم لاحظ منهم أفعالا تثير الشك.. هذه المعلومة عندما تصل إلى أجهزة الأمن فسيكون من السهل عليه أن يتحرك فورا للقبض عليهم.
لم أبدأ بعد كتابة المقال، أنا في انتظار معرفة التفاصيل التي سأعرفها حتما في الساعة السادسة في أول برنامج توك شو. وجاءت الساعة السادسة ولم يقل المذيع شيئا عن الحادث، يا إلهي.. المذيع والمعدون لا يشاهدون إذاعة الـ«B.B.C»؟ حسنا سأنتظر البرنامج الذي يليه، من المستحيل ألا ينتبه مقدمه لهذا الخبر الخطير، لا بد أنه سيتناوله بالشرح والتعليق.. ولكن ذلك لم يحدث.. في تلك اللحظة بدأ «الفار يلعب في عبي» نحن لا نتعرض لخطر الإرهاب فقط، في الغالب هناك في حياتنا الإعلامية ما هو أخطر من الإرهاب. وفي الصباح لم تذكر جريدة «الأهرام» الخبر في صفحتها الأولى بل نشرته في صفحة الحوادث، وهو نفس ما فعلته جريدة «المصري اليوم»، ازداد اضطرابي، يبدو أنني أبالغ أحيانا في تقديراتي للأحداث.
الخميس 11 سبتمبر، برامج الصباح، إنها ذكرى انهيار البرجين في أميركا 11 / 9 في أكبر حادث إرهابي عرفه التاريخ، المذيع الشاب يشكك في وقوع هذا الحادث بالشكل المعروف ثم يندفع للقول في حماسة وانفعال شديد: أميركا تستخدم الإرهاب كفزاعة، تخيف به العرب لكي تحكم سيطرتها على العالم العربي، ثم جاء بضيوف أيدوا أفكاره.. من الواضح أن هناك اتفاقا جديدا لمحاربة الإرهاب بشكل مبتكر وهو إنكار وجوده.. يا للشجاعة.. ضاعت فكرة مقالي، لا أستطيع مطالبة الناس بمحاربة الإرهاب لأنه لا يوجد إرهاب، بل هي فزاعة تستخدمها أميركا للسيطرة على العرب.. الحمد لله، اتضح أنه لا يوجد إرهاب، بل هي فزاعة أميركية الصنع.. اطمئنوا فنحن خبراء في القضاء على الفزاعات.
لا بد أن جيلي لا يزال يذكر أغنية لفرقة ABBA تقول «أحدنا يكذب One of us is lying»، ولكنه ليس أنا على أية حال.
[email protected]