يستمر الاقتصاد الأميركي في تحقيق أرقام دون التقديرات التي تعتمد على إمكاناته التي أجريت قبل بداية الأزمة المالية في عام 2007، حيث يتجاوز عجز الناتج المحلي الإجمالي الآن 1.5 تريليون دولار، أو 20 ألف دولار لكل أسرة تتكون من أربعة أفراد. وبنفس القدر من القلق الذي تثيره هذه الأرقام، أدى متوسط معدل النمو الاقتصادي الذي يقل عن 2 في المائة منذ ذلك الوقت إلى انخفاض الإنتاج أكثر فأكثر دون تلك التقديرات المحتملة.
ونظرا لعوامل مختلفة، منها تفاقم مشكلة عدم المساواة، وانخفاض التكاليف الرأسمالية اللازمة لدخول الشركات الديناميكية، وتباطؤ النمو السكاني، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، وارتفاع الفرق بين تكلفة الاقتراض والإقراض، والتي تؤدي بدورها إلى خفض معدلات الفائدة الطبيعية، فإنه لا يزال يبدو لي أنه من غير المحتمل أن يكون اقتصاد الولايات المتحدة قادرا على تحقيق زيادة تقدر بنحو 10 في المائة في الإنتاج من خلال أسعار الفائدة التي تنسجم مع الاستقرار المالي. ولذا يبقى جانب الطلب في ظل الركود العلماني مشكلة اقتصادية مهمة.
ولكن بالنظر إلى وجهة نظر روبرت غوردون، عالم الاقتصاد على وجه الخصوص، فربما تهدد الآن عوائق جانب العرض بكبح الاقتصاد، قبل أن تبدأ القيود المفروضة على القدرة على خلق الطلب في إعاقته، وتشير طريقتان للنظر في الوضع القائم إلى هذه الصعوبة.
الطريقة الأولى، على الرغم من أنني أكدت أن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي لا يزال أقل بكثير مما أشارت إليه التنبؤات قبل الأزمة، فإن خفض معدل البطالة، الذي يسجل الآن 6.1 في المائة، يمثل طريقا كبيرا نحو تسجيل تقديرات متفائلة نسبيا مقارنة بمستواه العادي. وبعبارة أخرى، على الرغم من ضعف النمو، يبدو أن الطلب تقدم بسرعة كافية للحد من الركود بشكل كبير في سوق العمالة.
ولكي نكون منصفين، يمكن للمرء أن يجادل بشأن استخدام عنوان معدل البطالة كمقياس للركود في سوق العمالة. ولكن تعد الدرجة التي عندها يبدو أن سوق العمالة تقوم بتسوية أوضاعها أهم إذا نظرنا إلى تدابير فرص العمل والوظائف الشاغرة، أو المطالبات المستجدة للتأمين ضد البطالة، أو البطالة قصيرة الأجل.
ثانيا، على الرغم من الأرقام الصادرة مؤخرا بشأن ضعف العمالة بشكل نسبي، فقد بلغ متوسط نمو الوظائف الشهري أكثر من 225 ألف وظيفة منذ فبراير (شباط) الماضي. وإذا استمر هذا الاتجاه، ما الذي يمكن أن يحدث لمعدلات البطالة؟ هذا، بالطبع، يعتمد على ما يحدث لمشاركة القوى العاملة، والتي هبطت في السنوات الأخيرة بسبب زيادة معدل أعمار السكان والاتجاهات الهيكلية طويلة الأجل.
وعلى الرغم من أنه يمكن تصور تحقيق نسبة بطالة منخفضة، فإنه يبدو من المرجح أن نمو العمالة سيتباطأ في مرحلة ما، إما بسبب وجود صعوبة لدى أرباب العمل في العثور على العمالة، أو بسبب ارتفاع الأجور أو قرارات تتعلق بسياسة الحكومة. وفي أي من هذه الحالات، سيجري كبح نمو الاقتصاد ليس بسبب نقص الطلب، وإنما بسبب انعدام وجود إمكانات العرض.
لماذا انخفضت إمكانات العرض بشكل كبير؟ سيكون هذا السؤال محلا لنقاش حامي الوطيس خلال السنوات المقبلة. ويكمن جزء من الإجابة في تأثير الضعف الاقتصادي الذي خلفه الماضي. ومن أجل تحقيق نمو يصل إلى 2 في المائة سنويا على مدى العقد المقبل، سيكون الدعم النشط للطلب ضروريا لكنه غير كاف. وفي الولايات المتحدة، وكما هو الحال في أوروبا واليابان، أصبح الإصلاح الهيكلي أمرا ضروريا.
* أستاذ في جامعة هارفارد ورئيسها السابق، وزير الخزانة الأميركي السابق
* خدمة «واشنطن بوست»
