توبين هارشو
TT

السودان يزحف نحو الديمقراطية

ما السيناريو الأسوأ عن الخضوع لحكم واحد من أسوأ الوحوش على مر التاريخ؟ شعب السودان تعيس الحظ على وشك التعرف على الإجابة.
أخيراً، سقط نظام عمر البشير ـ الذي كتب اسمه في قائمة أكثر المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، والذي دفع الاقتصاد لحالة انهيار لدرجة أن آلات الصرف الآلي نفدت منها الأوراق المالية العام الماضي، وانفصل ربع السودان في عهده ليكون دولة جديدة مستقلة، وجعل من بلده في وقت مضى ملاذاً آمناً لأسامة بن لادن.
ومع هذا، لم تدم الاحتفالات بهذا الإنجاز طويلاً. هذا الشهر، لقي أكثر عن 100 متظاهر ممن كان لهم الفضل في إسقاط البشير، مصرعهم على ضفاف نهر النيل على يد قوات تخضع لقيادة المجلس العسكري الذي حل محل البشير. هل ثمة أمل في إحلال الديمقراطية؟
للإجابة عن هذا التساؤل، لم نجد أفضل عن جود ديفرمونت، الذي يتولى حالياً منصب مدير برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. وفيما يلي المناقشة التي جرت بيننا هذا الأسبوع:
هارشو: احتفى العالم بسقوط عمر البشير، فهل كان ذلك بمثابة تجسيد لمقولة: «احذر مما تتمنى»؟
ديفرمونت: في الأيام الأولى التي تبعت سقوط البشير، كانت هناك أسباب تدعو للتفاؤل؛ فقد جاء السقوط نتاجاً لأربعة أشهر من المظاهرات من جانب أطياف واسعة من أبناء الشعب السوداني، بما في ذلك اضطلاع المرأة بدور كبير، وكذلك تجمع المهنيين السودانيين. وأعتقد أن الصلابة ووحدة الصف التي أبدتها هذه الحركة، والشروط التي تفاوضت من أجلها، كانت واعدة للغاية في البداية. اليوم، نقف عند مفترق.
هارشو: يقول المجلس العسكري إنه يرغب في عقد انتخابات في غضون تسعة أشهر، ويعارض المتظاهرون المطالبون بالديمقراطية هذا الأمر. هل يمكنكم شرح السبب؟
ديفرمونت: في البداية، جرى حديث حول إقرار فترة انتقالية على امتداد ثلاث أو أربع سنوات، لكن بعد فض الاعتصام، ضرب المجلس العسكري بكل شيء عرض الحائط وشرع في الحديث عن تسعة أشهر. أما المعارضة، فترى ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في السودان من أجل ضمان إطلاق عملية ديمقراطية حقيقية.
هارشو: ما الذي يمكن أن تبدو عليه بعض مثل تلك التغييرات الهيكلية المنشودة؟
ديفرمونت: تتحدث المعارضة السودانية عن الدستور وتحقيق قدر أكبر من الدمج السياسي. إنها تقدم مراجعة من الألف للياء للمشروع الديمقراطي في السودان.
هارشو: إذن لماذا تشارك مصر؟ وما الذي ترغب فيه؟ ديفرمونت: أعتقد الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فمصر ترغب في وجود استقرار على حدودها الجنوبية. وتشعر مصر بالقلق لأن الحكومة الجديدة ستقف على ضفاف نهر النيل الذي يمثل شريان الحياة لمصر. يذكر أنه على مدار عامين الآن، تعكف إثيوبيا على بناء ما أطلقت عليه سد النهضة. وفي الجزء الأكبر، وقف السودان إلى صف إثيوبيا فيما يخص بناء السد، والذي تشعر مصر بأنه سيقتطع بعضاً من إمدادات النيل القادمة إليها. وعليه، من الواضح تماماً أن مصر ترغب في وجود شريك في السودان يقف إلى صفها فيما يخص نهر النيل.
هارشو: حاول الإثيوبيون الاضطلاع بدور الوساطة في السودان، لماذا؟
ديفرمونت: تدخلت إثيوبيا لأن رئيس وزرائها آبي أحمد زعيم نشط يتمتع بالمصداقية في أعين المتظاهرين بفضل الإصلاحات التي أقرها في إثيوبيا. بيد أنه في الوقت ذاته ينتمي آبي أحمد إلى المؤسسة العسكرية الإثيوبية، وبالتالي فإنه قد يقدر وجهة نظر المؤسسة العسكرية السودانية.
أما الجانب السلبي لزيارة أبي أحمد للسودان فيكمن في أن جدول أعماله في وطنه مزدحم للغاية، فهو يعكف على عملية إعادة بناء كاملة للدولة، ويمضي في هذا الأمر بجدية وسرعة، وبالتالي لا يملك الوقت الكافي للاضطلاع بالدبلوماسية المكوكية اللازمة للتعاون مع جميع الأطراف المعنية بالسودان ودفعها لإبرام اتفاق.
هارشو: تشير تقارير إلى أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة توجهان مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار إلى السودان..
ديفرمونت: يعد السودان بصورة أساسية جزءاً من الجوار بالنسبة لدول الخليج. أيضاً، يشكل السودان ميداناً لتحركات إيرانية، ورغم أن إيران اليوم لم تعد نشطة داخل السودان، فإنها كانت كذلك من قبل. وعليه، فإن ما يدور في السودان يحمل أهمية كبيرة بالنسبة للإمارات والسعودية، إضافة إلى الروابط التجارية والسياسية والدينية طويلة الأمد بين هذه الدول.
هارشو: في اعتقادك، ماذا سيحدث مع البشير، وبخاصة أنه مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بسبب اتهامه بجرائم حرب؟
ديفرمونت: من المحتمل أن يسمح المجلس العسكري الانتقالي له بالبقاء في السودان. وربما يجري بعض المحاكمات ويصادر أموال البشير. من ناحيتهم، يشكل المتظاهرون مزيجاً مختلطاً، وربما لا يرغبون هم أيضاً في تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية لأسباب تتعلق بالسيادة الوطنية، لكن من المحتمل أن يصروا على محاكمته بالنظر إلى حكمه البلاد طيلة 30 عاماً وشتى صور الضرر والدمار التي ألحقها بالبلاد.
هارشو: نددت الولايات المتحدة علانية بكيفية فض الاعتصام، لكن هل هناك أي خطوات ملموسة يمكن لواشنطن وحلفائها اتخاذها؟
ديفرمونت: للأسف، كانت الولايات المتحدة غائبة نسبياً منذ إسقاط البشير في أبريل. ورغم إطلاق المسؤولين الأميركيين تصريحات مناسبة تماماً، فإنه لا يبدو أنهم تناولوا القضية بالفعل على أرض الواقع. ليس لدينا سفير لدى السودان - سياسة قائمة منذ أمد بعيد.
ويتعين على الولايات المتحدة الاستمرار في إشراك دول الخليج في الحوار. ولا يمكن التوصل لحل لا يتضمن دول الخليج، لكن يتعين وجود ثقل مكافئ لنفوذ هذه الدول. وعليه، أتطلع نحو تعاون الولايات المتحدة مع المتظاهرين ودعمها لهم، والعمل المجلس العسكري - أو على الأقل العناصر الموجودة بالمجلس التي يمكنها التوصل لحلول وسط.
هارشو: هل هناك دور أميركي فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية المستقبلية في السودان؟
ديفرمونت: نعم، لكن من بين القيود القائمة هنا وجود السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب. جدير بالذكر، أنه كانت هناك عملية تسير ببطء داخل الولايات المتحدة أثمرت إلغاء بعض العقوبات في ظل إدارة باراك أوباما، ثم إدارة ترمب. وهناك اعتقاد بأنها ستفضي نهاية الأمر إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وبالنظر إلى تغيير الحكومة في السودان، يبدو هذا الأمر مطروحاً بالتأكيد.
هارشو: أخيراً، بخلاف المخاوف الإنسانية والأخلاقية، ما المصالح الوطنية للأميركيين في هذا الأمر؟
ديفرمونت: يقف السودان عند مفترق طرق أفريقيا والشرق الأوسط، وهو دولة كانت مصدّرة لغياب الأمن لباقي أرجاء المنطقة. ونحن نتطلع من جانبنا نحو حالة من السلام تعمّ منطقة الصحراء الكبرى الأفريقية ووجود حكومة سودانية تبذل جهوداً إيجابية مثمرة في الشرق الأوسط.. وهنا تكمن أهمية السودان.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ