د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

النتائج العكسية للحرب الاقتصادية

لا يفتأ الرئيس الأميركي مفاجأة العالم بقراراته التي تحيّر مؤيديه قبل مناهضيه، ففي حين كانت تبدو المفاوضات الثنائية بين بلده والصين جارية على قدم وساق للوصول إلى حل للحرب الاقتصادية، أعلن الأسبوع المنصرم عن فرض رسوم جمركية إضافية على ما مقداره 200 مليار دولار من السلع الصينية، زادت الرسوم على هذه السلع من 10 في المائة إلى 25 في المائة. لتعلن الصين بالمقابل – وكما هو متوقع – عن رسوم انتقامية على 69 مليار دولار من السلع الأميركية. وبعد أن استهدف شركة «هواوي» مسبقا باعتقال مديرتها المالية وابنة مؤسس الشركة، واصل استهدافه للشركة الصينية ليضعها في قائمة تمنعها من التعامل مع جميع الشركات الأميركية، ويشمل هذا شركة «هواوي» وسبعين شركة فرعية لها. والسبب المعلن أن الصين تستغل نفوذ «هواوي» في سوق الاتصالات والتقنية الأميركية لأغراض التجسس، وهو ما نفته «هواوي» تكرارا، كما كان هذا سبب منع شركة «زد تي إي» الصينية سابقا.
ويعتقد الصينيون أن ما يفعله الرئيس الأميركي هو محاولة صريحة لإيقاف تمدد «هواوي» والتي غدت في قمة الشركات المزودة لشبكات الجيل الخامس في العالم، إلا أن هذه الاتهامات لم توجه من قبل ترمب وحده، بل من دول أخرى مثل بريطانيا وأستراليا وكندا. ولكن الفارق بين هذه الدول والولايات المتحدة هو حجم التبادل التجاري بينها وبين «هواوي». فالشركة الصينية تنفق سنويا أكثر من 70 مليار دولار، يذهب 11 مليار منها لشركات أميركية تقنية مثل «كوالكم» و«إنتل» وغيرهما، وهم ممن يزوّدون «هواوي» بالمعالجات المستخدمة في الهواتف الذكية وغيرها. وهذا يعني أن الشركات التقنية الأميركية ستضرر بشكل مباشر من هذا القرار. ولأجل ذلك، استدرك الرئيس الأميركي هذا القرار بأن يسري هذا الإجراء على العقود الجديدة فحسب، وأن تستمر العقود القديمة دون الحاجة إلى موافقة الحكومة الأميركية. وما هذا إلا تأجيل لهذه المشكلة، تسبب في هبوط طفيف لأسهم الشركتين الأميركيتين خلال الأيام الماضية.
ويبدو أن تأجيل المشاكل أسلوب يتبعه الرئيس، فقد مدد فترة المفاوضات مع اليابان والاتحاد الأوروبي بخصوص الرسوم المتوقع فرضها على صناعات السيارات، إلا أن تبريره لهذه الرسوم لم يكن ذا واقع طيب على الطرفين الياباني والأوروبي. فالرئيس الأميركي برر الرسوم كونها تحافظ على «الأمن القومي» الأميركي، وهو ما اعتبره الاتحاد الأوروبي – في تصريح رسمي - إهانة له. كما صرحت شركة «تويوتا» اليابانية أن شراكتها الطويلة مع الولايات المتحدة بعيدة تماما عن التهديد الأمني. فاستثمار «تويوتا» في الولايات المتحدة استمر لأكثر من 60 عاما، وظفت خلالها الشركة اليابانية أكثر من 475 ألف أميركي وأنفقت أكثر من 60 مليار دولار، ويزيد عدد مركبات «تويوتا» في الولايات المتحدة على 36 مليون مركبة. إلا أن الرئيس الأميركي يبدو مصمما على دعم صناعات السيارات الأميركية وبأي ثمن، وهو الذي قد توصل لاتفاقية مع كندا والمكسيك بخصوص الحديد المستورد لهذه الصناعات. والواقع أن شركات ومصانع السيارات الأجنبية في الولايات المتحدة – وعلى كثرة عددها – لا تستحوذ إلا على 29 في المائة من سوق السيارات الأميركية. في حين تستحوذ «فورد» و«جنرال موتورز» على نصيب الأسد من هذه السوق. إلا أن هذا الإجراء يبدو مقلقا للشركات غير الأميركية وهي التي أنفقت أكثر من 22 مليار دولار في السوق الأميركية خلال العامين الماضيين فقط!
ويبدو أن ترمب يحاول الوصول إلى حل سريع في الحرب الاقتصادية قبل حلول الانتخابات المقبلة والتي يتبقى عليها 18 شهرا فحسب. وهو يستند في قراراته هذه إلى حالة النشوة الاقتصادية التي تمر بها بلاده. إلا أن هذه الإجراءات وعلى المدى الطويل قد تتسبب في نتائج عكسية على الشركات الأميركية، فـ«هواوي» قد تبدأ في محاولات تطوير المعالجات الإلكترونية بنفسها بدلا من شرائها من الشركات الأميركية، أو قد تتحول إلى شركات منافسة لها مثل «سامسونغ». وشركات مصانع السيارات بدأت بالفعل بالتوجه إلى الأسواق الآسيوية محاولة إيجاد بدائل للسوق الأميركية التي يشابه استقرارها استقرار تغريدات ترمب، وإن كان الرئيس الأميركي يرى أن الدول قد لا تجد بدا من الخضوع لرسومه الجمركية، فإن الدول بدأت بالفعل البحث عن البدائل التجارية، في وقت تستمر فيه معاناة الشركات حول العالم (الأميركية وغيرها) من الرسوم الجمركية وتأثيرها السلبي على سلاسل التوريد التي أنشئت على أساس التجارة الحرة حول العالم.