ديفيد ليونهارت
TT

سانتا كلوز متعدد الأعراق؟!

الصورة السائدة عن سانتا كلوز هي لرجل أبيض عجوز، بدين وبلحية بيضاء. «ولكن لماذا لا يكون ملونا؟!» هذا السؤال الذي طرحته أخيرا إحدى الكاتبات في مقال لها أشارت فيه إلى الاضطراب الذي سببه لها سانتا كلوز في طفولتها؛ ففي عائلتها كان الرجل الذي يمثل دور سانتا كلوز شخصا أسود من عائلتها، ولكن في الشارع والتلفزيون والسوق كان سانتا دائما عجوزا أبيض وبخدين ورديين. إيجاد نسخة سوداء جديدة من سانتا كلوز لم يعجب مذيعة محطة «فوكس نيوز» ميغان كيلي التي ردت بغضب في برنامجها موجهة كلامها إلى الكاتبة بأن ترضخ للحقيقة المؤكدة التي تقول إن سانتا والمسيح أبيضان، وبأن عليها أن تتجاوز هذه المسألة.
وصف هذا الجدال الذي ثار في موسم الأعياد بأسخف الجدالات في الأعوام الأخيرة. ربما يكون ذلك صحيحا، ولكن اعتراض وغضب المذيعة وإصرارها على أن يكون سانتا كلوز بنسخة بيضاء فقط هو الحقيقة محاولة للحفاظ على رموز الثقافة البيضاء التي تراجعت بسبب تدفق الهجرات وتنوع عدد السكان، وتناقص عدد الأميركيين البيض، كأن المذيعة تقول إنه إذا سحبت كل رموز هذه الثقافة أو جرى التلاعب بها، فماذا سيتبقى من هويتنا؟ (لذا هي أشارت للمسيح كضربة استباقية لمن يحاول الاعتراض مستقبلا). حروب الرموز هذه وصراع الهويات تشاهدها في التلفزيون وتقرأها في الصحف وتسمعها أحيانا بصوت خافت بين الناس. قبل فترة قال لي معترضا أحد المواطنين البيض بعد أن رسم ضحكة صفراء علي وجهه: «متى آخر مرة رأيت فيها رجلا أبيض في الدعايات التلفزيونية؟!»، هذا صحيح؛ فالدعايات التلفزيونية وحتى الفرق الرياضية والمحطات الإخبارية والمسلسلات الدرامية، يظهر فيها شخصيات من أعراق مختلفة كاستجابة للتغيرات الديموغرافية الواسعة.
لكن كل الإحصاءات تقول إن هذه التغيرات ستزيد في المستقبل، ففي عام 1950 كانت نسبة عدد السكان البيض هي 87 في المائة، وستهبط هذه النسبة بشكل حاد لتصل إلى 47 في المائة في عام 2050. هذا يعني أن قوة البيض وتأثيرهم سينكمشان بشكل كبير. ماذا عن عدد السكان السود؟ تقول الأرقام إن نسبة عدد السكان السود في عام 1950 كانت 10 في المائة وسترتفع فقط إلى 13 في المائة عام 2050. لكن التحول الأكبر سيكون في نسبة عدد السكان من اللاتين (من ينتمون لأميركا اللاتينية خصوصا المكسيك) حيث سيقفز العدد إلى 29 في المائة عام 2050 بعدما كان 3 في المائة عام 1950. عدد السكان من آسيا أيضا كان أقل من واحد في المائة في الخمسينات من القرن الماضي وسيصل إلى 9 في المائة بعد ستة وثلاثين عاما من الآن. هذه الأرقام تعكس بوضوح تراجع قوة عدد السكان البيض، وهذا ربما الذي يسبب كل هذه المخاوف. هذا يعني أيضا أنه لن توجد قوة سكانية مسيطرة وسيبزغ مجتمع متنوع بشكل غير مسبوق. الأعراق ستختلط بشكل أكبر، ويتضح ذلك منذ الآن. الآن زواج واحد من كل ستة زيجات يجري بين طرفين ينتميان إلى عرقين مختلفين. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم خلال العقود المقبلة.
لمثل هذه التحولات تأثيرات كبيرة على السياسة والثقافة ومستقبل البلد بشكل عام. مثال بسيط على ذلك هو ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الرئيس باراك أوباما. لم يكن لهذا الفوز أن يتم لولا صوت الناخبين اللاتين الذين صوتوا نسبة كبيرة بلغت 71 في المائة لأوباما. في المقابل فإن 59 في المائة من السكان البيض قاموا بالتصويت لرومني، ومع ذلك عجزوا عن نقله للبيت الأبيض. الشيء ذاته حدث تقريبا مع المواطنين من خلفيات آسيوية، فقد صوتوا لأوباما بنسبة 73 في المائة. من المؤكد أن هذه القوة ستتصاعد مع زيادة السكان اللاتين في المستقبل. لحد الآن الحزب الديمقراطي هو القادر على كسب أصوات اللاتين والآسيويين، ومن الصعوبة على الحزب الجمهوري الفوز بالاعتماد على القاعدة الانتخابية القديمة التي فشلت في السباقين الانتخابيين الأخيرين. من المهم للجمهوريين كسب أصوات هذه الكتل في المستقبل، ومن المتوقع أن تشهد أميركا في العقود المقبلة رؤساء من أصول لاتينية وربما آسيوية لأنها ستكون الأحصنة الرابحة.
على المستوى الثقافي ستكون هناك تغيرات ومخاوف أيضا. هذه المخاوف عبر عنها المفكر الراحل الشهير صمويل هنتنغتون في مقال شهير له نشره قبل عشرة أعوام في مجلة «فورن بوليسي» بعنوان «التحدي الهسباني» أثار حينها الكثير من اللغط. هنتنغتون الذي وسع المقال بكتاب بعنوان «من نحن؟» قال إن أميركا مرت بهجرات كثيرة منذ العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، ولكن هذه الهجرات اندمجت في النسيج الاجتماعي. تعلمت اللغة الإنجليزية، وتبنت قيم الهوية الأميركية الأنغلوساكسونية التي تعتمد على قيم العمل وحكم القانون. ولكن الهجرة الهسبانية الكثيفة في العقود الأخيرة تهدد هذه الهوية. السبب أن نسبة كبيرة من المهاجرين اللاتين خلقوا مجتمعات خاصة لهم منعزلة ومعتمدة على ذاتها اقتصاديا ومزدرية للثقافة الأميركية. تعمل هذه الهجرات الكثيفة - بحسب الكاتب - على تحويل الولايات المتحدة إلى بلد بلغتين، وهذا تهديد كبير وجدي لهويتها. أضف إلى ذلك تراجع المستوى التعليمي، حيث يحصل فقط 15 في المائة من المهاجرين اللاتين على شهادة جامعية. هذا على عكس المهاجرين من آسيا الذين يحصل 51 في المائة منهم على شهادة جامعية، مما يعني الحصول على فرص وظيفية أفضل، وبالتالي زيادة مداخليهم. لهذا طالب هنتنغتون بالحد من الهجرة ووضع شروط جديدة، كإلزامية تعلم اللغة الإنجليزية وبرامج للاندماج الاجتماعي. ولكن أفكار هنتنغتون ومقترحاته ستتبخر مع سن قانون الهجرة الجديد الذي سيمنح أكثر من عشرة ملايين مهاجر غير قانوني البقاء في الولايات المتحدة والحصول على الجنسية الأميركية. من المتوقع أن يقوم الحزبان بتمرير هذا القانون لأنهما بذلك سيربحان قبول قاعدة انتخابية مؤثرة جدا.
كل هذه المخاوف يبددها الخبراء الذين يقولون إن المهاجرين يندمجون مع الجيل الثالث والرابع بشكل كامل، ويسعون لتبني قيم الثقافة السائدة. كل هذا يعني في نهاية المطاف مزيدا من التعايش والتسامح. هناك من يرى في التعدد إيجابيات قد لا يتنبه لها كبار المختصين والأكاديميين. مثلا تنوع الأطعمة والمطابخ المقبلة من ثقافات متباعدة، وكذلك الفنون والآداب التي ستنفتح على عوالم جديدة ستكون بحاجة ماسة لمن يعبر عنها. هناك من يقول ساخرا إن التعدد والاختلاط سيعني ارتفاع نسبة جمال وأناقة النساء القادمات من أعراق مختلطة. يبدو ذلك بوضوح بين فنانات هوليوود مثل الفنانة كاميرون دياز ذات الجذور الكوبية.
هنا الآن شيء واحد أكيد. الولايات المتحدة ستكون في المستقبل ملونة وليست بيضاء. ربما سيكون هناك سانتا كلوز أبيض وأسود ولاتيني وآخر متعدد الأعراق.