مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

الجزائر... من يقود التغيير الآن؟

في الواقع، لا يسعنا إلا أن نسلم بأن حقبة التحولات قد بدأت في الجزائر بعد استقالة الرئيس بوتفليقة، ويبدو أن الجيش يعد الرؤساء المدنيين بالنهاية، ويظهر أنه الحاكم الفعلي، وهو من يسير الأحداث ومسارات الحلول، وهذا حال كل الدول القومية العربية، فكانت شعارات الحراك في خطاب الجيش لقائد الأركان، حيث قال: «أكدت في الكثير من المرات أنني بصفتي مجاهداً، كافحت بالأمس المستعمر الغاشم، وعايشت معاناة الشعب في تلك الفترة العصيبة، لا يمكنني السكوت عن ما يحاك ضده من مؤامرات ودسائس دنيئة من طرف عصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع». فهل استقالة بوتفليقة كانت انقلاباً أبيض استباقياً، والجيش هو صانع الأحداث من الألف إلى الياء؟ وما هو سر هذا التلاحم مع الشعب؟
ومقدمات ذلك المشهد هل هي التقاء مصالح عليا أم أن الجيش تحمل المسؤولية لأن الواقع أصبح أكثر تعقيداً، وأراد الحفاظ على الأمن؟ وهذا ما نراه حاضراً مع الحشود في المسيرات التي تطالب برحيل رموز حقبة بوتفليقة، وإقالة رئيس الحكومة ورئيس مجلس الأمة، وإلحاق المخابرات بوزارة الدفاع بدلاً من رئاسة الجمهورية.
لقد حمل الحراك الضخم في العاصمة لافتات تنادي برحيل النظام كله، وأخرى تنادي بمساءلة كل من كان في النظام ومحاسبته، ودفع تكلفة تدهور البلاد اقتصادياً، حيث تجلت باستمرار تصدعات داخلية أجلت نهضة وتطور كثير من المرافق المهمة إلى أجل غير مسمى، وضاعت عقود من الزمن بين الانتظار، وفي دموية سنوات التسعينات.
وها هنا أجمعت القوى السياسية، مع ناشطين في المجتمع المدني، وعدة أطراف في الحراك الشعبي، على الترحيب بدور الجيش في توجيه المشهد السياسي، بوصفه يلتقي معه بالشكل الذي انتهى إلى استقالة رأس السلطة، مع مبدأ الحوار والتعبير السلمي، وعدم الضلوع في الممارسة السياسية، وإعادة تجربة تسعينات القرن الماضي، لما تدخل الجيش لوقف مسار انتخابي كلف البلاد خسائر كبيرة في حرب أهلية ازدادت على أثرها تشظياً وتمزقاً.
من هنا، ردد كثير من المتظاهرين أن استقالة الرئيس هي خطوة أولى فقط، إلى أن تتم محاسبة المقربين منه، والشخصيات التي كانت تدير معه دفة البلاد، مثل سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، إذ وقف إلى جانبه في الصراع بين رجل الأعمال الثري ورئيس الوزراء السابق، عبد المجيد تبون، الذي أقيل من منصبه.
إن غاية كل تغيير هو أن ينجو الشعب من تكرار بشاعة الفساد، وتجديد الثقة المفقودة في أعضاء الحكومة المنتخبة، فالدسترة والدمقرطة والقوننة لا تستمر كقضايا مؤجلة لكي تعود الحياة السياسية منسجمة مع مصالح البلاد والشعب، ولن يكون الترميم ذاته مرضياً أو موافقاً لسقف التفاؤل بشأن قدرة الجيش على تحقيق مطالب الشارع، وملء الفراغات لحل المشكل الذي يتطلب تقدماً منذ البداية. وفي الوقت نفسه، السؤال الذي يطرح بعد هذه الأحداث هو: هل أحمد قايد صالح وحلفه يمكنهما أن يواجها طبقة الفساد الواسع في الجزائر بكل مكوناته وارتباطاته الخارجية؟
وقبل أن تبلغ تلك الاستراتيجية هدفها، هل وقف الجيش مع مطالب الشارع التي دعا فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستقالة فوراً، وبعدها بأقل من ساعة استجاب الرئيس؟ لا شك أن هذه الخطوة باركها الشعب، وهلل فرحاً وسروراً لاستجابة مطالبه وتحقيق رغبته، ولكنه بانتظار استكمال بقية المطالب لئلا ينتج مزيد من الانقسامات.