سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

في ظرف القائل وظرافة القول

ظرافة بعض الأقوال أنها ليست في حاجة إلى تبيين. بيانها منها وفيها. كمثل قول وزير خارجية إيران، السيد جواد ظريف، أن سبب سفاهة برينتون تارانت وأمثاله هو الديمقراطية الغربية. تصور رجلاً ينشأ في لندن، ويذهب إلى المدرسة الداخلية في هارو، وإلى الجامعة في أكسفورد، ماذا تنتظر منه؟ تخيّل فرنسياً ولد قبل 50 عاماً في ظل ديغول. وعرف حتى الآن رئيساً اشتراكياً يدعى فرنسوا ميتران، ووسطياً يدعى جيسكار ديستان، وديغولياً اسمه جاك شيراك، وملوناً اسمه نيكولا ساركوزي، ونسونجياً يبدأ اسمه بحرف فرنسوا هولاند، ثم قادماً من اللامكان، المسيو ماكرون. وقد نسينا أهمهم، جورج بومبيدو.
تخيل. ثمانية رؤساء في خمسة عقود.
تخيل. في البلدان غير الديمقراطية، المستقرة، المتقدمة، يبقى الرئيس ما دام حياً، ولو افتقد من علامات الحياة الحركة والحكي. ما أحلى الاستقرار: تنتخب مرة واحدة وإلى الأبد وترتاح، ولا حاجة إلى ورشات وكرنفالات الديمقراطية ومفاجآتها: ساعة ابن كيني رئيساً في أميركا، ساعة ابنة قس في ألمانيا، ساعة ابنة بقال في بريطانيا. فوضى ووجع رأس. وأكثر ما يغضب تلك الديمقراطية السويسرية. يا للشرشحة. ليس فقط أن رئيستها امرأة، بل لا أحد يعرف اسمها، وتذهب إلى عملها في باص البحيرة، لا مواكب، لا زعاقات، لا هويل، ولا عويل، ولا شيء من فخفخة وعلامات الدول التي أدركت شرور الديمقراطية.
ظريف، دكتور ظريف. تتفتق لمعاليه أفكار لا يبلغها - أو هي تبلغ - سواه. وإلا لماذا تمسكت إيران بتلابيبه عندما خطر له، مجرد خاطر، التخلي عن إدارة دبلوماسيتها، أو بالأحرى الجزء الباسم والظريف منها؟ سائر الأقسام الأخرى، يديرها اللواء سليماني. وفي «الميدان» كما يسمي المراسلون جبهات المعارك.
لا تتورع الديمقراطية عن شيء فحركت النزاع المذهبي بين المسلمين في كل مكان. بينما عملت الدول الأخرى على المساواة وإلغاء المذهبية واحترام المعتقدات وحرية المشاعر والشعائر. إن تارانت - يا معالي الوزير، هو نتاج الفكر الفاشي في الغرب والعالم. وهذا النوع من السادية البشرية محظور ومحتقر ومحرَّم سلفاً في الفكر الديمقراطي. وهذا النوع من الهمجيات والثقافة الإلغائية والإبادية المتغطرسة، ليس عدواً للإسلام فقط، بل للآخرين جميعاً. صحيح أن السفاح الأسترالي هو أقبح وأفظع النماذج، لكنه وحش كامن في كل المجتمعات. وبسبب هذا النوع من المخلوقات تتعسكر المجتمعات المدنية وتتغير حياتها، ويصبح رعبها من الداخل. فعندما فتح السفاح الأسترالي النار، كان يستهدف النظام الديمقراطي الذي فتح أبوابه الآمنة لجميع الناس.