محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

الأصل والنسخة المقتبسة: خلافات

أمام الكاتب فرصة واحدة لتقديم كل شخصية في النص الذي يضعه مرة أخيرة على النحو الذي يرضيه قبل أن يترجم هذا النص إلى عمل فني. كان هنريك إبسن (1906 – 1828) يعنى برسم الشخصيات ويشتغل عليها حتى تأتي معبرة عن الأرواح المجسدة فيها أفضل تعبير. لكن لا هو ولا كاتب آخر سواه، كان يستطيع أن يضمن أن الشخصية التي وضعها هي التي ستنتقل إلى المسرح. كيف له هذا وهناك نوعان رئيسان من المخرجين: نوع يلتزم تماما بالنص ونوع يخرج كثيرا عنه. ولكل نوع خامتان: الملتزم بالنص تماما قد يخفق في نقل روح العمل المكتوب رغم التزامه لأنه لا علاقة بالإجادة بكم المخرج المسرحي (أو غير المسرحي على حد سواء) أمين للأصل. لكن الملتزم بالنص كما هو قد يجد أنه من المريح أكثر أن يتكل على صاحب النص الأصلي لتوفير عناصر الدراما بحيث لا يتحمل هو مسؤولية أي تغيير.
الخارج عن النص قد يصنع عملا موازيا في أهميته وفحواه، وهذه خامة، أو قد يمضي أطول مما يجب في عملية إعادة الإبداع بحيث يخرج عن الأصل أطوارا وينجز العمل الذي قد يكون هذا الخروج أسوأ خصاله.
المسألة المعقدة هي التالية: أين ينتهي دور المؤلـف ويبدأ دور المخرج وأين يبدأ وينتهي دور الممثل. امتدادا، هل على الممثل أن يتبع الشخصية كما كتبت أساسا أو كما جرت إعادة كتابتها بعد ذلك؟ وإذا ما وجد أن هناك اختلافا بين شخصية تحمل المنحى الشعري أو الأخلاقي الذي مارسه إبسن طوال حياته المهنية، وبين الشخصية التي عمد إليها المخرج، هل من حقه أن يعارض؟
نظريا، دور المؤلـف انتهى وقت درجت المسرحية طور الإنتاج فصار لها كتابة جديدة ومخرج ومنتج. لكن عمليا هذا الدور لا ينتهي بصرف النظر عن أي تغييرات قد تقع. «هاملت» ستبقى «هاملت» بصرف النظر عن مرجعية المخرج الموكل تقديمها على المسرح وعن وجهة نظره الفنية الخاصة. وهذا واضح أكثر في الأعمال السينمائية. نسخة «ماكبث» كما قدمها رومان بولانسكي سنة 1971 تختلف عن تلك التي قدمها أورسون ولز سنة 1948 وكلاهما يختلف عن الاقتباس الذي قام به أكيرا كوروساوا في «ران» (1985). لكن الثلاثة ما زالت تقدم المسرحية ذاتها مؤفلمة بأسلوب المخرج الواقف وراء الكاميرا ورؤيته الخاصة لكيفية نقل المسرحية إلى فيلم.
لكن الإشكالات المذكورة تبقى في هذا النطاق كما في كل نطاق آخر. وبالنسبة للممثل فإنه في معظم الحالات سيعتمد على مبدأ يسمى دراميا «التمثيل المحتمل». هذا يعني أنه سيقوم بالتمثيل، سواء التصق بالأصل أو بنسخته، على أساس أن الشخصية كانت ستتصرف على هذا النحو المحدد. هذا يشمل الحركة البدنية والتعبير الوجهي والأداء الصوتي. «التمثيل المحتمل» هو الحالة الشكلية لمبدأ أن يبقى الممثل قابلا للتصديق بصرف النظر عن النص الذي يقوم بتمثيله. هذا لا يعني أن الممثل في هذه الحالة يقدم تمثيلا واقعيا، فالواقعية تختلف كما سنرى مستقبلا.