توماس إي كرونين
أستاذ القيادة والمؤسسات الأميركية في كلية كولورادو.. شارك في تأليف «متناقضات الرئاسة الأميركية»
TT

الحاجة لتحديد الفترات الرئاسية

في عام 1944 قال المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري توماس ديوس: «إن أربع فترات رئاسية، أو 16 عاما هي أكثر التهديدات التي تواجه حريتنا على الإطلاق»، وأعلن دعمه لتعديل دستوري يلزم رؤساء المستقبل بفترتين رئاسيتين. لكن ديوس خسر الانتخابات أمام فرانكلين روزفلت، الذي توفي بعد أربعة أشهر من فترته الرئاسية الرابعة.
يرى ذلك أستاذ التاريخ الذي كتب في صحيفة «واشنطن بوست» مؤخرا «دعونا ننهي تحديد الفترات الرئاسية»، لأن تحديد الفترات الرئاسية يقوض من حقوق الناخب ويضعف الرؤساء في فترتهم الرئاسية الثانية، والشعب الأميركي يريد أن يتسم رؤساؤه بالحسم والكفاءة، لكنهم مصيبون أيضا في خشيتهم من اغتصاب السلطة.
والتعديل الثاني والعشرون كان تسوية عملية إن لم تكن منقوصة بين الحاجة إلى الحيوية والحسم والقيادة في الرئاسة ومبدأ الجمهوريين بتبادل السلطة.
يحظى تحديد الفترات الرئاسية بتاريخ ثري، فقد أيده توماس جيفرسون، ولقيت الفكرة تأييدا في برامج الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بما في ذلك برنامج الحزب الديمقراطي عام 1896 الذي كان يميل حينها إلى النظام الاشتراكي. وفي عام 1927 أقر مجلس الشيوخ مشروع قانون قدمه الجمهوري التقدمي روبرت لا فوليتي لوضع حد للفترات الرئاسية بموافقة من كلا الحزبين.
وقد أظهرت استطلاعات الرأي لسنوات تفشيل ثلثي الشعب الأميركي التعديل الثاني والعشرين وتطبيق تبادل المناصب. ويدرك غالبية الأميركيين أن المدة الرئاسية المحددة شرط أساسي لحماية الحرية.
إن ديمقراطيتنا الدستورية تحوي التوترات الجوهرية، فالشعب الأميركي شعب ذو سيادة لكنه بحاجة إلى الفصل بين السلطات. وربما كان ذلك هو السبب في وجود تدابير معينة، من نواب منتخبين عوضا عن الديمقراطية المباشرة، وقانون الحقوق كضمانة ضد حكم الأغلبية والفيدرالية وثلاثة فروع للحكومة. والتعديل الثاني والعشرون ضمانة أخرى.
ويحتج البعض بأن التعديل يؤدي إلى فترة رئاسية يبدو فيها الرئيس كبطة عرجاء، لكن الفترة الثانية دائما ما تشكل تحديا، فجيمس ماديسون، ويوليسيز غرانت، وغروفر كليفلاند، وودرو ويلسون وهاري ترومان واجهوا جميعا مصاعب في فتراتهم الرئاسية الثانية قبل التعديل الثاني والعشرين. وحتى بعد إقراره كانت الفترة الثانية لدى بعض الرؤساء مثمرة للغاية. فرونالد ريغان ساهم في سن قانون الإصلاح الضريبي ونهاية الحرب الباردة. وقام بيل كلينتون بموازنة الميزانية وتمكن من تحقيق نمو اقتصادي ثابت. ونال ريغان وكلينتون موافقة شعبية أعلى في دورتهم الرئاسية الثانية.
ويحاول البعض تكرار ما ذكره ألكسندر هاميلتون في أوراق فيدرالية، من أن الترشح لإعادة الانتخاب يعزز مبدأ الخضوع للمحاسبة، وأن التأثير السيئ لتحديد المدد الرئاسية هو انتقاص لحوافز السلوك الجيد. بيد أنه على الرؤساء التفكير في الفترة الرئاسية الثانية بشأن سلوكهم إذا كانوا يبدون قلقا إزاء إرثهم. فمكانتهم في التاريخ تعتمد على تمرير التشريع وتركيز اهتمامهم على أولوياتهم.
وقد أكد البعض - بما في ذلك فرانكلين روزفلت - أنه في وقت الأزمات الممتدة ربما تحتاج الولايات المتحدة إلى رئيس يتمتع بالخبرة والحنكة. لكن أستاذ العلوم السياسية لاري ساباتو قال: إنه في الوقت الذي استفادت فيه أميركا من قبضة روزفلت القوية، في وقت كنا نستعد فيه بشكل شبه سري لخوض الحرب، إلا أنه كان من المتوقع جدا أن يتمكن المرشح الجمهوري العالمي المؤثر ويندل ويلكي أو الديمقراطي روزفلت من إدارة البلاد بشكل جيد، لو انتخب أي منهما عام 1940. وأشار ساباتو إلى أن الأهم من ذلك هو أنه إذا كان بالإمكان استبدال العملاق الرئاسي فرانكلين روزفلت بالإمكان تغيير أي رئيس.
الشعور بعدم المحاسبة، أو عدم الوقوع تحت طائلة القانون الذي ساعد في إذكاء الثورة الأميركية، جعل الآباء المؤسسين يرفضون الرضوخ لعبادة عدم الاستغناء. فمبدأ تبادل الأدوار اختبار في مواجهة الشعور بأن أي زعيم واحد لا غنى عنه. فقد كان ذلك الشعور بالأهمية المطلقة هو ما دفع هوغو شافيز إلى قيادة حملة لإنهاء القيود على تحديد الفترات الرئاسية في فنزويلا وبقاء روبرت موغابي في منصبه في زيمبابوي. ودفع قادة التحرر الآخرين مثل ماو زيندونغ وفيدل كاسترو وكيم إل سونغ ومعمر القذافي بالبقاء في السلطة مدى الحياة.
إن تحديد الفترات الرئاسية يشجع الأفكار الجديدة ويمنع تصلب السياسات، فالأحزاب الأميركية تعيد تجديد دماءها عبر تحديات تربية وضم وترشيح فريق جديد من القادة الوطنيين كل ثماني سنوات على الأقل.
يضع الأميركيون آمالا كبيرة على رؤسائهم، بيد أن الرئاسة لم ينظر إليها على الإطلاق كوظيفة لها مدة زمنية، فالسنوات الثماني وقت طويل لتدشين سياسات هامة، وإذا كانت هذه السياسات ذات قيمة وقبلتها الأغلبية فسوف تستمر.
وقد حذر كالفين كوليدج من أنه «من الصعب على أولئك الرجال الذين يتولون المناصب المهمة في الدولة ألا يُصابوا بمرض خداع النفس، لأنهم دائما ما يكونون محاطين بمريديهم وأنصارهم. كما أنه يتسرب إليهم شعور دائم بعظمتهم وأهميتهم». ويضيف كوليدج أن رؤساء الدول يعيشون «في جو اصطناعي من التزلف والتمجيد الذي يؤدي، عاجلا أو آجلا، إلى فقدانهم القدرة على إصدار الحكم السديد في كثير من الأمور وهو ما يعرضهم لخطر أن يتحولوا إلى أشخاص متغطرسين وغير مبالين بآراء الآخرين».
وقد أصبحت الرئاسة في عصرنا الحالي وظيفة تتضمن كثيرا من مظاهر السلطة، فضلا عن المسؤوليات الجسام التي لم يكن آباؤنا المؤسسون ليتصوروا وجودها في يوم من الأيام. وليس من الممكن في الوقت الحالي النكوص على النمو المتزايد في السلطات المخولة للرئيس. لذلك كان إجراء التعديل الثاني والعشرين أمرا في غاية الأهمية.

* أستاذ القيادة والمؤسسات الأميركية في كلية كولورادو.. شارك في تأليف «متناقضات الرئاسة الأميركية»
* خدمة «واشنطن بوست»