د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

التحول المشترك بين السعودية والصين

اختتم الأمير محمد بن سلمان جولته الآسيوية في الصين، وجاءت زيارة ولي العهد بعد سنتين من زيارة الملك سلمان للصين، وثلاث سنوات من زيارة رئيس الصين للسعودية، في مؤشر لنمو العلاقة الاستراتيجية بين السعودية والصين. ولم تخف نتائج تلك الزيارات على المتابعين، فحجم التبادل التجاري بينهما زاد بنسبة 32 في المائة العام الماضي وحده. كما أن أهمية العلاقة بين السعودية والصين تحكمها حقائق مثل أن الصين هي ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، والسعودية هي أكبر مصدّر له. وزيارة ولي العهد السعودي نتج عنها توقيع 35 اتفاقية وصلت قيمتها إلى 28 مليار دولار، كما أنه وضح أن الصين بإمكانها جذب استثمارات سعودية يقارب حجمها 100 مليار دولار.
بالنسبة للصين، فإن المملكة شريك مهم، ليس على مجال الصادرات وحده، فصحيح أن الصين صدرت للمملكة ما قيمته 46 مليار دولار في عام 2018، إلا أن المملكة أيضاً شريك مهم مشروعها العملاق «طريق الحرير» أو ما يسمى بـ«طريق الحزام»، وقد سبق للمملكة من خلال عاهلها وولي عهدها توضيح أهمية هذا المشروع للسعودية، وتحتاج الصين إلى تعاون دولي لتنفيذ هذا المشروع، لا على النطاق التمويلي فحسب، بل على النطاق السياسي لمروره بدول عدة. كما أن الصين مؤخراً تحاول التنويع في تبادلاتها التجارية، خاصة مع عدم استقرار علاقتها مع أوروبا وعدم وضوح مستقبل الحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة. ومع التحول الاقتصادي الحاصل في المملكة، فإن المسؤولين الصينيين لم يخفوا اهتمامهم بالمشاركة في هذا التحول ولعب دور اقتصادي مهم فيه. ووضح أحد المسؤولين الصينيين أن الصين على استعداد لبدء تعاون في المجالات التقنية مع المملكة، خاصة أن المملكة مهتمة بهذا النوع من الاستثمارات.
أما بالنسبة للمملكة، فإن أهمية الصين تنبع من كونها أكبر اقتصاد ناشئ في العالم، بطموح غير محدود وتطور في المجالات الاقتصادية والعلمية والتقنية. كما أن الصين سوق لا يستهان بها في المجال النفطي. ولذلك فإن الاتفاقيات الموقعة مع الصين ركزت على مجالات محددة منها النفط والغاز والطاقة النووية والطاقة النظيفة. وقد وقعت شركة أرامكو السعودية مع شركة «نوريكو» الصينية لإنشاء مصافٍ ومصانع بتروكيميائية بقيمة 10 مليارات دولار، كما عقدت صفقة أرامكو لشراء 9 في المائة من شركة «زيجيانج» مكنتها من تأمين 400 ألف برميل يوميا. وتهدف المملكة من خلال أرامكو إلى أن تكون المزود النفطي الأول للصين، ويتوقع أن تصل حصة المملكة السوقية في الصين إلى 1.5 مليون برميل يوميا، مدفوعا بزيادة الطلب في السوق الصينية وتطور العلاقة بين البلدين. وقد زادت هذه الحصة في عام 2018 وحده بنسبة 8 في المائة لتصل إلى 1.14 مليون برميل يومياً.
والجدير بالذكر هنا أن روسيا هي أكبر مزود للنفط بالصين بـ1.66 مليون برميل يوميا بعد أن كان 1.3 برميل يوميا قبل عامين، وهو دليل آخر على زيادة الطلب في السوق الصينية ونمو حجم الاقتصاد الصيني وأهميته.
في الوقت الحالي قد يبدو الشرق مستقراً أكثر من الغرب، وتنويع استثمارات المملكة بين الشرق والغرب مهم من الناحية الاستراتيجية، كما أن الصين تدرك ذلك أيضاً بزيادة استثماراتها في الشرق الأوسط مؤخراً، كما أن بناء علاقات استراتيجية تؤمن التبادل التجاري بين المملكة والصين يزداد أهمية مع الوقت. وكما كانت نتائج زيارات السعودية الصينية في الأعوام مهمة في زيادة حجم التبادل التجاري الذي شوهد في عام 2018، فإن زيارة ولي العهد السعودي للصين مهمة أيضاً في دفع هذا التطور إلى الأمام، فتأمين الحصة السوقية من النفط لأكبر مستورد وثاني أكبر مستهلك في العالم، مهم جدا للمملكة، وشراء حصص في المصافي والمصانع البتروكيميائية الصينية يبدو خيارا ذكيا في الاستثمار في هذا المجال وفي تأمين حصة سوقية في السوق الصينية. والجديد في هذه الاستثمارات عن الاستثمارات السابقة أنها في شركات القطاع الخاص الصينية، وليست مع مؤسسات حكومية كما هو في السابق، وهو ما قد يفتح باباً جديداً في الاستثمارات النفطية بين البلدين. والعلاقة الاستثمارية بين السعودية والصين ما زالت في بداياتها كما صرح وزير الطاقة السعودي، حيث إن المسؤولين الصينيين يرون مستقبلاً مشرقاً للاقتصاد السعودي، كما أن المسؤولين السعوديين يرون أن السوق الصينية سوق مناسبة لاستثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودي، والمائة مليار قد لا تبدو بعيدة المنال في حال استمرت العمل على هذه العلاقة.