سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

قانون يسيء إلى العدالة

لا يحق للمرء أن يمضي عمراً في المطالبة بحكم القانون والمساواة أمامه، ثم فجأة يطالب بالاستثناء، أي بالخرق. وهذا ما أشعر به في قضية كارلوس غصن. إنني أشعر أن الرجل مظلوم، أو مضطهد، وأن اليابان تمارس في قضيته سياسة قهرية ثأرية وحاقدة.
لا شك أن هناك مستمسكات وبراهين على المخالفة المالية التي يقال إن غصن ارتكبها. لكن في انتظار محاكمته، لماذا لا يوضع في الإقامة الجبرية، بدل الزنزانة المذلة والكريهة؟ طبعاً، الجواب لأن الناس أمام القانون سواسية.
ولكن كارلوس غصن هو الرجل الذي أمن 400 ألف وظيفة لعمال اليابان، وهو الذي أنقذ أهم صناعاتها من الإفلاس، وأعاد إليها مكانتها وسمعتها كقائدة في هذا الحقل. وهذا العبقري الاستثنائي المذهل فعل ذلك في وقت واحد: إنقاذ أضخم شركتين في اليابان، وشركة «رينو» الفرنسية.
رجل «غريب» من العالم الثالث يحل في عاصمتين مثل باريس وطوكيو، ويعطي عباقرة الهندسة والإدارة فيهما درساً تاريخياً في تحويل الخسائر الكبرى إلى نجاحات كبرى. وفي غضون ذلك، أخطأ. راح ابن الفلاح اللبناني يتطلع في المرآة، فيرى إمبراطوراً، وأخذ يتصرف كإمبراطور، وليس كرئيس مجلس إدارة.
وراح الآخرون يحسدونه ويكرهونه، ولم يحسب أنهم يدوِّنون المخالفات في دفتر آخر، ولا حسب أن آفة الحسد أقوى من آفة الغرور. وفجأة، استيقظ فوجد أمامه وخلفه سلسلة من الكمائن والأفخاخ. وهذا خطأ كبير، وكلما كبر الإنسان كبر حجم خطئه.
نحن لا نناقض القانون في اليابان، بل العدالة فيها. أن تأخذ في الاعتبار أن كارلوس غصن ليس متهماً بجناية أو جريمة، وأنه لا يستحق هذه المعاملة التحقيرية، بل كان أحرى بالعدالة اليابانية أن تتولى هي البحث عن الأسباب التخفيفية، وأن تدرك أن رجلاً في حجم وسيرة متهمها لن يهرب إلى مكان في هذا العالم، وأن ماضيه يستحق الشفاعة، وليس التشفي. فمهما كانت جريمته كبيرة، فهي ليست في حجم إنجازاته، ولا في مستوى أعماله.
المعاملة التي اختارتها اليابان لكارلوس غصن تذكر بيابان ما قبل الحرب، يابان القسوة والفظاظة وانعدام روح الرحمة، بل وأسوأ من ذلك بكثير: انعدام مشاعر الوفاء حيال «الغريب» الذي أنعش حياة مئات الآلاف، إن لم يكن ملايين اليابانيين.