أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

نحن لا نسارع الخطى بل نقفز

لنكن أكثر موضوعية في قراءة هذا الحدث غير الاعتيادي بتنصيب امرأة سفيرة للرياض في واشنطن، عاصمة القرار الدولي ومطبخ السياسات الكبير. هذه المرأة التي ننتظر استقبال رئيس البيت الأبيض لها سعودية، حادة الذكاء، متعلمة، مثقفة، تعمل بجهد، لها قدرة متميزة على التواصل، مفوهة، لبقة، جريئة في الدفاع عن آرائها وأفكارها، وأكثر من ذلك شجاعتها بتولي هذا المنصب في بلد يقود العالم، وفي مجتمع سياسي مركب من مؤسسات، ومراكز نفوذ، وأسراب من الصقور يديرون كفة البلاد وعلاقاتها الخارجية. هذا الموقع الحساس المهم يتطلب شخصاً مقاتلاً، حليماً، يقرأ الناس والأحداث، متشرباً لثقافة البلد المضيف. وما يعطي أهمية لمنصب السفيرة الجديدة في واشنطن أنها تقود دفة العلاقة بين بلدين من أكثر بلاد العالم تأثيراً؛ الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية. وهذه العلاقة التي تجمع بين البلدين تمر كغيرها من العلاقات بموجات مد وجزر، تؤثر وتتأثر بالأحداث المتقلبة، السياسية والاقتصادية، وتحتاج لربان ماهر، يقود باتزان إن علت الأمواج أو جرت الرياح بما لا تشتهي. دور بالغ الأهمية؟ نعم. صعب، وربما قاسٍ؟ نعم، لكنه بالتأكيد شرف كبير للأميرة ريما بنت بندر بن سلطان أن تحظى بهذا الحجم الهائل من ثقة القيادة السعودية، وشرف لكل امرأة سعودية أن بلغت واحدة منهن هذا المبلغ من الإيمان بقدراتها وكفاءتها، للدرجة التي تجعلها حلقة وصل بين قصر اليمامة والبيت الأبيض.
يقول بعض المعلقين إن الأميرة ريما تحمل ميزة أنها ابنة الرجل السياسي المحنك الأمير بندر بن سلطان الذي سبقها إلى هذا المنصب قبل 35 عاماً، وأن خالها الراحل الأمير سعود الفيصل عميد الدبلوماسيين العرب، وبالتأكيد لهذه الميزات تأثيرها، ونعرف ماذا تعني النشأة في بيت تسوده ثقافة معينة، وتتجذر فيه أفكار وأسلوب إدارة وتحليل يقوده رب البيت، لكن الواقع أن هذه العوامل، وإن كانت أساسية، لم تكن لتجدي أو تضمن أن تكون الابنة أو الابن ثمرة لعوامل النجاح هذه. الأميرة ريما بصفاتها الشخصية استطاعت أن تستثمر قربها من والدها في بناء نفسها، والتحلي بصفات متميزة في أدائها، وتشكيل أسلوبها الخاص في تقديم طروحاتها وأفكارها، بجهد شخصي منها.
أحياناً، أشعر أننا في المملكة، في مجالسنا وأحاديثنا، لدينا سقف طموح متواضع حينما تفاجئنا القيادة السياسية بقفزة كبيرة في سبيل تمكين المرأة. كنا نتمنى دخول السعوديات السلك الدبلوماسي، لتكون صورة للمرأة السعودية في الخارج، لكن لم نتوقع أن البداية من قمة الهرم: من واشنطن. علينا الآن أن نرفع سقف طموحاتنا لنواكب الأفكار العظيمة التي تعتزم تنفيذها القيادة السياسية، لتكون تطلعاتنا كبيرة وتوقعاتنا واعدة.
دائماً ما أكرر أن استراتيجية «رؤية 2030» هي ضمانة لمستقبل المرأة السعودية في التمكين، ومنح الحقوق القانونية، لأنها رؤية معتمدة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومهندس الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وبالتالي، لا خوف من التراجع أو التباطؤ؛ هي وثيقة التزام واعتراف بأن المرأة السعودية لم تحصل بعد على حقوقها المشروعة، بحسب تصريح ولي العهد. والحقيقة أن الإرادة الكبيرة لتحقيق كل جوانب الرؤية باتت واقعاً نعيشه، وليست مجرد أمنيات. فخلال عامين فقط، تحقق للسعوديات ما لم يتحقق خلال عقود طالت، واستحالت الحقوق أحلاماً. وعلى الرغم من أن قرار تعيين الأميرة ريما يعني أنها أول سفيرة سعودية، وأول وزيرة سعودية، وهذه فاتحة خير لمزيد من التعيينات، فإن الحقيقة أن وجود الأميرة ريما ممثلة للرياض في واشنطن يتجاوز التوزير بكثير. القيمة المعنوية لتعيين كهذا تحمل رسائل كثيرة؛ أن الكفاءة هي المعيار، وأن هذه الكفاءة ليست حكراً على جنس دون آخر، وأن المرأة السعودية مؤهلة لتشغل مناصب حساسة كبيرة، وأن السعودية (قيادة ومجتمعاً) قدمت هذه القناعة للعالم بشكل عملي لا يقبل المجاملة، ولا يبتغي رضا الغرب أو الشرق.
لا أعرف كيف يمكن أن أصوغ شعوري وشعور زميلاتي وقت سماع الأمر الملكي. الحقيقة أننا سعدنا جداً بالقرارات المذهلة التي جاءت خلال الأعوام القليلة الماضية لصالح المرأة، من حيث عضويتها في مجلس الشورى، وأحقيتها في الانتخاب والترشح في المجالس البلدية، وتوسيع مجالات التوظيف، وحرية التنقل والحركة والترفيه وغيرها، واحتفينا فيها وأنِسنا بها، لكن أن تتولى سفارة المملكة في الولايات المتحدة الأميركية امرأة فهذا حدث وليس خبراً، هذه صفحة جديدة في كتاب تمكين المرأة السعودية تجاوزت الحدود المحلية للعالمية.
كل التوفيق للسفيرة الأميرة ريما في مهامها الجديدة، هي ممثلة لبلد عظيم مؤثر، سياسياً واقتصادياً، وممثلة لشقيقاتها من السعوديات اللاتي يرون في نجاحها نجاحاً لهن، وإلهاماً لجيلها ولأجيال قادمة متخمة بالأحلام.
[email protected]